بازگشت

العطش و مقتل العباس


يقف العقل حائرا كلما فكر في النظام العالئلي او الداخلي الاسره الحسين (ع) و حسن تربيته لاله و عياله، فكانوا- حتي في الشدائد- اتبع له من ظلاله و اطوع من خياله، و لا نهض بامر الجماعه مثل حسن الطاعه و لست مغليا في قولي «طاعه الزعيم فيما تكره و لا عصيانه فيما تحب» فالانكسار كان ابعد شي ء من مثل هذه الجماعه لو لم تصبهم فاقه جوع او عطش. فلا تري شمرا مبالغا في قوله لقومه عن الحسين (ع) و اهله: «انهم اذا وصلهم الماء ابادوكم عن اخركم» فكان منع جيش الحسين (ع) عن الماء اقوي اسلحه عدوه عليه- و من عد الصبر علي الجوع متعسرا يعد الصبر علي العطش متعذرا- لا سيما من فحوله هاشم و سيوفهم في ايمانهم و الماء في اعينهم، و يسمعون بآذانهم ضجه صبيتهم عطاشي و مرضي و نخص من بينهم الفتي الباسال اباالفضل العباس- رضي الله تعالي عنه- فقد اثرت عليه الحاله و اثارت عواطفه، فتقدم الي اخيه الحسين (ع) يستمحيه رخصه الدفاع معتذرا بان صدره قد ضاق من الحياه و يكره البقاء.

نعم! لا شي ء اشهي من الحياه و اطيب، لكنما الحي انما يحبها ما دامت منطويه علي مسرات و لذات اما اذا خلت من تلكما الحسنيين و امست ظرف الام لا تطاق استحالت الحياه الحلوه كاسا مره، غير ان اقوياء النفوس لو افضي الزمان بهم الي


مثل هذه الحاله العصبيه و عجزوا عن سلوان انفسهم بمهل التاريخ فانهم يختارون الموت في سبيل دفع الموت، و يفضلونه علي الموت في سبيل انتظار الموت. اجل! ان الموت في سبيل دفاعه افضل و احوط من الموت في سبيل انتظاره، و قد كان الحسين (ع) مستميتا و مستميتا كل من كان معه، و كانت انفسهم الشريفه متشربه من كاس التضحيه و ريانه من معين التفادي. و في مقدمه هولاء ابوالفضل اكبر اخوه الحسين (ع) الممتاز في الكمال و الجمال، و قمر بني هاشم،و حامل رايه الحسين، و عقيد آماله في الحافظه علي رحله و عياله. لذلك شق علي الحسين ان ياذن له بالبراز الي الاعداء، فير انه يامل في مبارزه القوم ابلاغ الحجه و احياء الذريه، و ان يعين علي ايحاه العائله بالسقايه و الروايه- كما سبق منه ذلك- و الذلك صارت له درجه تغبطه عليه الشهداء، و ان اخبث روساه جيش العدو (شمر الكلابي) و هو علي شقائه امن لعباس و اشقائه- لنسبه بينه و بين ام العباس ام البنين- و لان عباس الفتوه اذا عهدت اليه السقايه يعود منها يعودته الي الحسين (ع) فمن هذا و ذاك و ذياك كان جوابه لاخيه العباس: «اذن فاطلب من القوم لهولاء الاطفال جرعه من الماء».

فتوجه العباس بن علي (ع) نحو الجيوش المرابطه حول الشرائع، فاخذوا يمانعوه عن الماء و يستنهض بعضهم بعضا علي معارضته و مقاتلته خشيه ان يصل الماء الي عتره النبي (ص). و لم زيل العباس يقارعهم و يقاتلهم و يقلب فئه علي فئه، و يفل العصابه تلو العصابه حتي كمنوا له وراء نخله من الغاضريه فقطعوا يمناه، فتلقي السيف بيسراه مثابرا علي الدفاع غير مكترث بما اصابه، و هو بتلوا الاراجيز، و يذكر القوم بمآثر اهل البيت و سحبهم و نسبهم من رسول الله (ع) فكمنوا له ثانيه من وراء نخله و ضربوه بالسيف علي يساره فقطعوه، فاضحي كعمه جعفر الطيار (رض) يدافع عن نفسه و هو مقطوع اليدين، و كان القوم قطعوا بيديه يدي الحسين (ع) فعند ذلك تقدم اليه دار مي غير هياب له و ضربه بعمود من حديد فخر صريعا و صارخا: «يا اخاه ادرك اخاك». و لم يدارك الحسين (ع) ظهيره و نصيره الا بعد اختراق الجموع و الجنود، و في آخر لحظه منه نادبا له و قائلا: «الان انكسر ظهري، و قلت حيلتي، و شمت بي عدوي».