بازگشت

الطفل الذبيح


اذا وصف القرآن قربان ابراهيم بالذبح العظيم نظرا لاثاره الباقيه في الحج و الاسلام، فان المظاهره الخيره التي قام بها الحسين (ع) اثرت تاثيرا عظيما من بين مجاهداته الادبيه في كشف حقائق النزعه الامويه، و هذه الحادثه الاليمه بالرغم من استحقاقها التوسع فانني لا استطيع فيها سوي الايجاز، فالحسين (ع) بعد ما خلي رحله من الماء و طال علي اهله الظما- حتي جفت المراضع و شحت المدامع- تناول طفله الرضيع- واسعه علي او عبدالله- ليقدمه الي العدو وسيله لرفع الحجر من الماء، فاشرف علي الاعداء بتلك البنينه المعصومه من ايه جانحه او جارحه قائلا: «يا قوم! ان كنا في زعمكم مذنبين فما ذنب هذا الرضيع؟ و قد ترونه يتلظي عطشا، و هو طفل لا يعرف الغايه و لم يات بجنايه، و يكلم اسقوه شربه ماء فقد جفت محالب امه». فتلاوم القوم بينهم بين قائلا: «لا بد من اجابه الحسين (ع) فان اوامر ابن زياد بمنع الماء خصت الكبار دون الصغار- و الصغير استثنته الشرائع و العواطف من كل جريمه و انتقام، حتي لو كان من ذراري الكفار» و قائل: «ان الحسين قد بلغ الغايه من الظما و الضروره، فان صبرتم عن سقايته سويعه اسلم امره اليكم و تنازل لكم». فخشي ابن سعد من طول المقام و المقال ان يتمرد عليه حيشه المطيع فقال


لحرمله: «اقطع نزاع القوم» و كان من الرماه القساه، و فعرف غرض ابن سعد فرمي الرضيع بسهم نحره به، و صار الحسين (ع) ياخذ دمه بكفه و كلما امتلات كفه دما رمي به الي السماء قائلا: «اللهم لا يكونن اهون عليك من فصيل» بمعني فصيل ناقه صالح.

و لما احس الرضيع بحراره الحديد و المه فتح عينيه في وجه ابيه و صار يرفرف كالطبر المذبوح، و طارت روحه رافعه شكايه الحال الي العدل المتعال، و ترك القلوب داميه من مصيبته المفتته للاكباد. و قد بلغ امر الرضيع الذبيح مبلغا من قوه الدلاله علي انحراف قلوب القوم عن سنن الانسانيه، و علي سفاله اخلاقهم بحيث يئس الحسين عند ذلك من رشدهم و عد عنهم خائبا، و ربما كانت مصيبته في خيبته اعظم عليه من مصيبته في الرضيع، فاستقبلته صبيه قائله: «يا اباه لعلك سقيت اخي ماء؟» فاجابها: «هاك اخاك ذبيحا» ثم حفر الارض بسيفه و دفن الرضيع و دفن معه كل آماله.

و كان حسين الحق لم يدخر في وسعه اي قوه و لم يضيع اي فرصه في افشاء سرائر الحزب السفياني، فان قتل الذراري و ذبح الاطفال كانت الشرائع و العادات تمنع عنه اشد المنع، و قد روي المحدثون ان النبي (ص) بعث سريه فقتلوا النساء و الصبيان فانرك النبي (ص) ذلك عليهم انكارا شديدا، فقالوا: «يا رسول الله انهم ذراري المشركين». فقال: «اوليس خياركم ذراري المشركين». و ان خالد بن الوليد لما قتل بالعميصاء الاطفال رفع النبي (ص) يديه حتي راي المسلمون بياض ابطيه و قال: «اللهم اني ابرا اليك مما صنع خالد» ثم بعث عليا (ع) فوادهم، فلم يعهد ذبح الاطفال بعد ما ذلك الا ما كان من معاويه في قتله اطفال المسلمين في الانبار و في اليمن علي يد عامله بسر بن ارطاه، و كان فيمن قتلهم ولدان لعبيد الله ابن عباس، و كررت ذلك اشياعه في الطف فربحوا من الصبيه و الاطفال ما ظهروا عليهم و ظفروا بهم بغير رحمه منهم و دون ادني رقه او رافه، الامر الذي برهن علي غلوهم في القسوه و الفسوق عن الدين، و اوضح بلا مراء و لا خفاء ان قصد التشفي و الانتقام بلغ بهم الي العزم علي استئصال ذريعه الرسول (ص) و قطع نسله و محو اصله.


اما علي بن الحسين العلبل فلم يفز بالنجاه من ايديهم العاديه لا لصغر سنه، و لا بتعلق عمته به قائلا: «لا يقتل الا و اقتل معه» و لا بشفاعه حميد بن مسلم و اشباهه فيه بل انما نجا من حد الحديد لشده مرضه و قوه علته و ضعف املهم بحباته، و نجا الحسن بن الحسن باختفائه و هو جريح طريح وفاء من الله بوعده و حفظه لنسل نبي الرحمه باكثار المصلحين في الامه و هدايتها بعلوم الائمه.