بازگشت

توبه الحر و شهادته


من يدرس احوال البشر من وجهتها النفسيه و يسبر غورها يجد الاخيار صنفين: صنف يتطلب مصالحه الشخصيه في ظل احياء عقيدته و احترامها- و هولاء الكثر الاخيار - ثم ارقي منه صنف يقدم احياء تقيدته حتي علي حياته الشخصيه. و قد كانت و ضعيه الحر الرياحي بادي ء بدء تنزل منزله من يحب احترام مصالحه الذاتيه في ضمن احترامه لعقيدته في الحسين بن فاطمه (ع)، زعما منه ان الحسين لا بد و ان سيصالح اميه القويه او يسامحونه بمغادرته بلادهعم، فيكون الحر حينئذ غير آثم بقتال الحسين، و غير خاسر جوائر الولايه و ترفيعاتهم. و عليه فقد كان يساير الحسين بالسماح و التساهل و يصاحبه بتادب و احترام. غير ان المظاهرات القاسيه التي قام بها جيش الكوفه من جهه و المظاهرات الدينيه الاخلاقيه التي قام بها حسين الفضيله من جهه اخري انارتا فكرته و اثارتا عاطفته، فارتقي في استكمال نفسه الي العلو او الغلو في حب السعاده و الشهاده، فجاء الي ابن سعد قائلا: «امقاتل انت هذا الرجل؟». فاجابه: «نعم قتالا ايسره ان تسقط الروس و تطيح الايدي» فقال الحر: «افما لكم فيما عرضه عليكم رضي؟» فاجابه. «اما لو ان الامر الي لفعلت و لكن اميرك قد ابي». فرجع الحر و هو يتمايل و يرتعد، و اخذه مثل الافكل، اذ شعر بانه كان السبب لحصر الامام.


فقال له من يجاوره و هو يحاوره: «ان امرك لمريب! فو الله لو سئلت عن اشجع اهل العراق لما عدوتك. فماذا اصابك يا ابن يزيد؟» فاجابه الحر: «و يحك! اني اري نفسي بين الجنه و النار، و والله لا اختار علي الجنه شيئا، و ان قطعت و حرقت». قال هذا و ضرب بجواده الي الحسين (ع).

و صادف قره بن قيس فقال له: «يا قره هل سقيت فرسك؟» قال قره: قلت له: «لا» و ظننت انه يريد ان ينتحي القتال، كراهه ان يشهده، فو الله لو اطلعني علي الذي يريد لخرجت معه الي الحسين...

اخذ يدنو الحر من الحسين رويدا رويدا-. گان ذلك منه خجلا لا وجلا- حتي وقف قريبا منه فقال: «جعلت فداك يا ابن رسول الله، انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و جعجعت بك في هذا المكان، و ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، و الله لو علمت انهم ينتهون بك الي ما اري ما ركبت مثل الذي ركبت، و اني تائب الي الله مما صنعت، فهل تري لي من توبه؟». فاجابه الحسين: «نعم يتوب الله عليك فانزل» فقال الحر: «انا لك فارسا خير مني لك راجلا، اقاتلهم علي فرسي ساعه و يصير النزول آخر امري». فقال له الحسين: «فاصنع يرحمك الله ما بدا لك».

قابل الحر بعدئذ جيش ابن سعد و صاح بهم: «يا اهل الكوفه! لامكم الهبل! دعوتم هذا العبد الصالح لتنصروه حتي اذا جاءكم اسلمتموه، و كتبتم اليه انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه تقاتلونه، و املكتم بنفسه و اخذتم بكظمه و احطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضه. فصار كلالاسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا، و حلا تموه و نساءه و صبيته عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود و النصاري و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه، فهاهم قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمدا في ذريته،لا سقاكم الله يوم الظما» فساد القوم السكوت كان علي رووسهم الطير، ثم لم يحيبوه سوي النبال فحمل عليهم و هو يرتجز و يقول:



اني انا الحر و ماوي الضيف

اضربكم و لا اري من حيف




و قاتلهم قتالا شديدا حتي عقروا فرسه و تكاثروا عليه، فلم يزل يحاربهم و هو راجل حتي اثخنوه بالجراح و صرعوه فنادي: «السلام عليك يا ابا عبدالله» و قد ابنه الامام (ع) عند مصرعه بقوله: «انت كما سمتك امك حر في الدنيا و سعيد في الاخره» فطوبي له و حسن مآب.