بازگشت

مقتل علي شبه النبي


لم يزل و لا يزال عرفاء الامم من عرب و عجم يعتقدون وارث السجايا و المزايا بالتناسل و التناسب، و ان الولد يرث من ابويه و والديهما مواهبهم العقليه او سجاياهم الاخلاقيه كما يرثهم اشكال الخلقه و طبائع الجسم و امراض الاعضاء، و قد اكد الفن و الحديث ذلك و ان التشابه في الخلقه لا ينفك عن التشابه الاخلاقي، فنجد العائله بعد فقدان اكبرها تجمع توجهاتها في اشبه افرادها بالفقد- توسما بقيام الشبيه مقام الفقيد في اعاده اثارها لاجماع الغرائز- علي ان الاعمال نتائج الاخلاق، و ان الطفل الشبيه بآبائه خلقا و خلقا يغلب ان يجدد ماثرهم و مفاخرم. و كان آل محمد (ص) في اسف مستمر علي فقدان النبي، و خساره كل مجد في فقده حتي ولد للحسين بن علي ولد اشبه الناس بجده محمد (ص) خلقا و خلقا و منطقا، فتمركزت فيه كل آمالهم و امانيهم، و صاروا كلما اشتاقوا الي زياره النبي (ص) شهدوا محضره و شاهدوا منظره، و سمي شبيه النبي فترعرع الصبي و ترعرع معه جمال النبي (ص) و نما فيه الكمال، و ازهرت حوله الامال و بلغ تصابي آل النبي (ص) فيه مبلغ الوله و العشق، فكان اذا تلا آيه او روي روايه مثل رسول الله (ص) في كلامه و مقامه، و اضاف علي شبه النبي (ص) في الجسم شبها بجده علي (ع) في الاسم كما شابهه في الشجاعه و في تعصبه للحق، حتي انه يوم قال الحسين (ع) اثناء مسيره: «كاني بفارس قد خطر علينا قائلا: القوم يسيرون


و المنايا تسير بهم». اتاه قائلا: «يا ابت او لسنا علي الحق؟» فقال له الحسين (ع): «اي و الذي اليه مرجع العباد» قال علي: «اذن لا تبالي بالموت» فكان في موكب الحسين (ع) مثل كوكب الفجر يزهو بجماله و انظار اهله دائره حوله.

غير ان الحصار و الحزن ضيقا علي نفسه مجري النفس، فلم يجد مظنه للخلاص منهما الا في الموت، فجاء ليستاذن اباه لكنه منكسر الطرف، اذ يعلم مبلغ تاثبر الوالد من هذا الكلام. و قد شوهد سيد الطف في اقواله و احواله علي جانب عظيم من التجلد لكن قيام هذا الفتي ضيع جانبا من تجلده فصار كغيره لا يملك من التجلد شيئا فيما يقول في ولده او عن ولده. و ايم الله انه اذن له مثل من يريد ان يجرح عاطفه فتاه فاسرع علي نحو الاعداء، و عين ابيه تشيعه و ترسل دموعها الحاره مصحوبه بالزفرات، و النساء علي اثره تولول، و تعول امه بشجو فاقده الاصطبار اذ فقدت مركز آمالها و الامام ينادي باعلي صوته: «يا ابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، و لم تحفظ قرابتي من رسول الله».

اما الغلام فقد تجلي علي القوم. بوجه رسول الله (ص) و عمامه رسول الله و اسلحه رسول الله و علي فرس رسول الله و نطق بمنطق رسول الله قائلا:



انا علي بن الحسين بن علي

نحن و بيت الله اولي بالنبي



تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

اي انا المثل الاعلي لرسول الله (ص) فيكم بصورتي و سيرتي و حسبي و نسبي، فانا تذكار جدي علي، و انا شبيه النبي، و ان ابي الحسين سبط النبي، و ان جدي عليا اخوالنبي و وصيه، فنحن جميعا اولو قرباه و اهل بيته- الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. فاولو الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله- فنحن اولي بخلافه جدنا النبي (ص) من الا جنبي، و بعد هذه البرهان الجلي لا يسوغ ان نسلم ازمه دين جدنا النبي (ص) الي ابن الدعي- و الدعي هو المنسوب الي غير ابيه الشرعي- و قد كان عبيدالله ابن مرجانه مستحلقا بزياد، كما ان زيادا صار مستلحقا بابي سفيان بخلاف حكم النبي (ص) القائل: «الولد للفراش و اللعاهر




الحجر». فهل يسوغ في شرع الشرف و دين العدل ان يخضع من يمثل النبي (ص) لدعي و ابن دعي؟

بارز الغلام جيشي الكوفه و شد عليهم شده الليث بالاغنام، و بعد ما كر عليهم رجع الي ابيه قائلا: «العطش قد قتلني» فيقول له ابوه: «اصبر يا حبيبي، فانك لا تمسي حتي يسقيك رسول الله بكاسه الاوفي» و الغلام بكر الكره بعد الكره. فنظر اليه ابن مره العبدي فقال: «علي آثام العرب ان كرومربي لو لم اثكل امه»فبينا هو يشد عل الجموع و يرتجز اذ ضربه العبدي و صرعه فنادي: «يا ابتاه عليك من يالسلام، هذا جدي قد سقاني بكاسه الاوفي، و هو يقورك السلام و يقول لك العجل العجل» ثم شهق شهقه كانت فيها نفسه فانقض اليه الحسين (ع) قائلا: «يا بني! قتل الله قوما قتلوك، ما اجراهم علي الله و علي انتهاك حرمه الرسول؟! يا بني! علي الدنيا بعدك العفا» ثم قال لفتيانه: «احملوا اخاكم الي الخيم»اذ كان اول قتيل من جيش الحسين، و حاذر علي النساء و عقائل الرساله ان يخرجن الي مصرعه حاسرات (فانا لله و انا اليه راجعون).