بازگشت

مقتل مسلم و هاني ء


ان مسلما ز و هو الذي بايعه اكثر من ثلاثين الف مسلم- بقي وحيدا فريدا بعد القبض علي الوجوه من اوليائه، فلاذ بصديقه هاني ء- اكبر مشايخ الكوفه سنا و شانا و بصيره و عشيره- اذ كان معمرا فوق الثمانين و شيخ كنده اعظم ارباع الكوفه، و كان اذا صرخ لباه ثلاثون الف سيف، و كان هو و ابوه من احبه علي «ع» و انصاره في حروبه العراقيه الثلاث.

فانزل هاني ء مسلما علي الرحب و السعه و الحفاظ حتي يفرج الله عنه، و تظاهر هاني ء بالتمارض مجامله مع ابن زياد في عدم اجابته لدعوته، لكن ابن زياد يطمع في هاني ء و سابقته معه ويري في جذب امثاله من المتنفذين معونه كبري لانقاذ مقاصده.

و يروي آن هانئا [1] اقترح علي عميد آل عقيل و مندوب الحسين (مسلم) الفتك بابن زياد غيله و غفله لكن مسلما لم يجب بسوي كلمه: «انا اهل بيت نكره القدر».

كلمه كبيره بعيده المرمي، فان آل علي «ع» من قوه تمسكهم بالحق


و الصدق نبذوا الغدر و المكر حتي لدي الضروره، و اختاروا النصر لاجل بقوه الحق علي النصر العاجل بالخديعه، شنشنه فيهم معروفه عن اسلافهم و موروثه في اخلافهم، كانهم مخلوقون لاقامه حكومه الحق و الفضيله في قلوب العرفاء الاصفياء، و قد حفظ التاريخ لهم الكراسي في القلوب.

و بالجمله، فقد دبر ابن مرجانه حيله الفتك بهاني ء فاحضره لديه بحجه مداوله الراي معه في الشوون الداخليه. غير ان هانئا بعد ما حضر لديه غدر به ابن زياد، و شتم عرضه، و هشم انفه، و قطع راسه.

و كان لهذه الحادثه دوي في الرووس و في النفوس، و استولت بذلك دهشه علي الجمهور ادت الي تفرق الناس من حول مسلم، فامسي وحيدا حائرا بنفسه و مبيته، و اشرف في طريقه علي امراه صالحه في كنده- تسمي طوعه، و هي ام ولد حازت شرف التاريخ، اذ عرفت قيمه الفضيله، بينما قومها ضيغوا هذا الشرف الخالد و غرتهم المطامع- جالسه علي باب دارها فاستسقاها ماء فجاءته به و شرب ثم وقف يطيل النظر الي مبدء الشارع تاره و الي منفذه اخري- كانه يتوقف من يتطلبه- فتوسمت المراه فيه غربته و سالته فقال: «نعم انا مسلم بن عقيل، خذلني هولاء» فستعظمت طوعه ذلك و دعته الي بيتها لتخفيه حتي الصباح، و فزشت له في بيتها و عرضت عليه العشاء فلم ياكل، و لم يكن باسرع من ان جاء ابنها و قد كان مع الغوغاء، فاوهمه تردد امه الي البيت و قال لامه: «و الله ليريبني كثره دخولك هذا البيت» ثم الح عليها فاخذت عليه العهود كي لا يفشي سرها و سر مندوب الحسين «ع» و اخبرته بالامر بعد الايمان، ثم ان الغلام غدا عند الصباح الي ابن الاشعث و افشي له سر مسلم و مبيته، فابلغ بذلك ابن زياد فارسل الجموع للقبض عليه.

بلي! ان ابطال صادقين كبني هاشم ان تاخروا في ميدان السياسه و الخداع فلهم قصب السبق في ميادين العلم و الدين و الجود و الشرف و مقارعه الكتائب.

و كان ندب بني هاشم يتلو القرآن دبر صلاته اذ سمع وقع حوافر الخيل و همهمه الفرسان، فاوحت اليه نفسه بدونو الاجل، فبرز ليث بني عقيل من عرينه


مستقبلا باب الدار و العسكر- و عليهم محمد بن الاشعث- و انتهي امر المتقابلين الي النزال و نزيل الكوفه راجل و هم فرسان، لكن فحل بني عقيل شد عليهم شد الضرغام الانعام و هم يولونه الادبار، و يستنجدون بالحاميات، و قذائف النار ترمي عليه من السطوح.

اضطر ابن الاشعث الي وعده مسلما بالامان اذا القي سلاحه فقال: «لا امان لكم»بعد ما كرروا عليه راي التسليم فريضه محافظه للنفس و حقنا للدماء فسلم اليهم نفسه و سلاحه ثم استولوا عليه فعرف انه مخدوع فندم و لات حين مندم.

و لما ادخلوه علي ابن زياد لم يسلم عليه بالامره فقال له الحرس: «الا تسلم علي الامير؟». فقال: «ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟!» فقال له ابن زياد:«لعمري لتقتلن». قال: «فدعني اوصي بعض قومي». قال: «افعل».

فنظر مسلم الي جلساء عبيدالله و فيهم عمر بن سعد بن ابي وقاص فقال: «يا عمران بيني و بينك قرابه ولي اليك حاجه و هي سر» فامتنع عمر ان يسمع منه. فقال له عبيدالله: «لم تمتنع ان تنظر في حاجه ابن عمك؟» فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد فقال له: «ان علي بالكوفه دينا استدنته منذ قدمت الكوفه و هي سبعمائه درهم، فبع سيفي و درعي فاقضها عني، و اذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و ابعث الي الحسين «ع» من يرده، فاني قد كتبت اليه و اعلمته ان الناس معه، و لا اراه الا مقلبلا، و معه تسعون انسانا بين رجل و امراه و طفل».

فقال عمر لابن زياد: «اتدري ايها الامير ما قال لي؟» فقال له ابن زياد: «اكتم علي ابن عمك». قال: «هو اعظم من ذلك، انه ذكر كذا و كذا». فقال له ابن زياد» «انه لا يخونك الامين و لكن قد يوتمن الخائن. اما ماله فهو له ولسنا نمنعك ان تصنع به ما احببت، و اما جثته فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها، و اما الحسين فان هو لم يردنا لم نرده» ثم قال لعمر بن سعد: «اما و الله اذ دللت عليه لا يقاتله احد غيرك».

ثم اقبل ابن زياد علي مسلم يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا و مسلم لا يكلمه،


ثم قال ابن زياد: «اصعدوا ه فوق القصر و اضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده» فصعدوا به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي علي رسوله و يقول: «اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا» فضربت عنقه و اتبع جسده.

كان مقتل مسلم يوم الاربعاء لتسع مضين من ذي الحجه- يوم عرفه- سنه ستين من الهجره و قد كان خروجه في الكوفه يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجه- يوم الترويه- و هو اليوم الذي قتل فيه هاني ء و يوم خرج فيه الحسين «ع» من مكه يقصد الكوفه ملبيا دعوتها.

اجل! قتل مسلم و قتل به امل كل مسلم و اسقطوا بجسمه من علي القصر- سقوط الجسم لا سقوط الاسم-.

هذا، و عيون الناس تري هانئا في السوق و ابن عقيل، و ما جئه الرجلين بذلك المنظر الفظيع الا آيه انحراف الحزب السفياني عن سنن الدين، و موعظه و موقظه للغافلين، و في ذلك عبره لمن يعتبر، و في كوفه الخذلان ما اكثر العبر و اقل المعتبر.



پاورقي

[1] کما في العقد الفريد ج 2 ص 306 و مقاتل الطالبيين و تاريخ الطبري و غيرها.