بازگشت

خروج الحسين من مكه


كان الحسين «ع» اوسع علما و اقوي دينا ممن انتقدوا عليه الخروج من مكه قبل اكمال الحج مستبدلا حجه بعمره مفرده ليتسني له الخروج يوم الترويه [1] و مجاوزه حدود الحرم باقرب وقت ممكن اذ صار بين جاذب و دافع تجذبه ظاهرا انباء حجاج العراق بان ابن زياد تاهب للخروج من البصره نحو الكوفه، و الحسين يعرف مبلغ دهائه و ريائه و قه اقدامه و جسارته، و انه اذا سبق الحسين «ع» الي الكوفه قلب القلوب و قطع عليه الدروب و استعمل لخذلان مسلم كل وسيله و حيله. و ان مسلما بنفسيته الحربيه قد تخفي عليه الحركات السياسيه فلا ينجح مع ذلك الشيطان و هو رجل المروءه و الايمان. فخرج الي الكوفه مسرعا انقاذا لمسلم و للمسلمين.

و اما دفاعه عن الحرم فعلمه بالمكايد المدبره من خصومه لحصره او اغتياله في مكه من حين تفرق الحاج منها. فيصبح اما مقتولا او مقاتلا و في كلا الامرين هتك للحرم اللمنوع فيه سفك الدماء، و قد بدت بوادر مناواته من قدوم عمرو بن سعيد عامل يزيد قبل الترويه بيوم، و تقدمه الي الصلاه بالمسلمين، و بثه العيون حول الحسين و حول ابن الزبير فصلي الامام و طاف و سعي و حل الاحرام ثم خرج.


و بعد ما عرف عمرو بن سعيد صرخ بالناس قائلا: «اركبوا كل بعير بين السماء و الارض و اطلبوا حسينا» و لم يحتشم حرمه البلدا الامين و لا النبي الامين.

بادر الحسين «ع» بمسيره قبل ان يبادر العدو الي صده و احصاره و اغتياله، و الجاته الضروره الي حركه غير منتظره و خارجه عن الحسبان، و اوجد بمسيره هذا ثوره فكريه اوجبت انتشار خبره بسرعه البرق، و حقا: اقول ان الحسين «ع» مجتهد في نيته و مستفرغ كل ما في وسعه لنشر دعوته في كل عصر و مصر شحت و سائل النشر فيها، فكان لخروجه في غير اوانه دوي يرن صداه في الداخل و الخارج و الناس يستاءلون عن نباه العظيم و عن ان الحسين هل حج و خرج؟ و لماذا؟ و متي؟ و كيف؟ و الي اين؟.

هذا و الحسين «ع» يسير بموكبه الفخم و حوله اهله كهاله حول القمر كان موكبه داعيه من دعاته، فان الخارج يومئذ من ارض الحج و الناس متوجهون الي الحج لا بد ان يستلفت الي نفسه الانظار و ان كان راكبا واحدا فكيف بركب و موكب..! انه لامر مريب و غريب يستوقف الناظر و يستجوب كل عابر.

و هذه ايضا عمليه من شانها شهره امر الامام و انتشار خبره الهام. و ممن كان قادما الي الحج و استجلب نظره الركب و الموكب الفرزدق الشاعر قال: «حججت بامي في سنه ستين فبينا انا اسوق بعيرها حين دخلت الحرم اذ لقيت الحسين بن علي- عليهماالسلام- خارجا من مكه مع اسيافه و ارتاسه فقلت: «لمن هذا القطار؟ قيل: «للحسين بن علي» فاتيته و سلمت عليه و قلت له: «اعطاك الله سولك بابي انت و امي يا ابن رسول الله، ما اعجلك عن الحج؟» فقال:: «لو لم اعجل لاخذت» ثم قال لي: «من انت؟» قلت: «امرو من العرب» فلا و الله ما فتشني عن اكثر من ذلك ثم قال لي: «اخبرني عن الناس خلفك» فقلت: «من الخبير سالت، قلوب الناس معك و اسيافهم عليك و القضاء ينزل من السماء» و سالته عن اشياء من نذور و مناسك فاخبرني بها و حرك راحلته و قال: «السلام عليك».

و كان موكب الحسين «ع» يسير في بطون الفيافي و المفاوز و قوافل القلوب تشايعه من بعد بعيد و خفيف اللحاق من عشاقه مصمم علي الالتحاق بموكبه بعد


اداء فريضه الحج باقرب ساعه، لكن الامام يجد في مساره و القمر دليل الركب و رفيقه و لما بلغ بطن عقبه لقيه شيخ من بني عكرمه فساله.

«اين تريد؟» فقال الامام: «الكوفه». فقال الشيخ: «اندشك الله لما انصرفت. فوالله ما تقدم الا علي الاسنه و حد السيوف. و ان هولاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مونه القتال و وطاوا لك الاشياء فقدمت عليه كان ذلك رايا»

فقال له الامام: «ليس يخفي علي الراي [2] و لكن الله تعالي لا يغلب علي امره» ثم قال «ع»: «و الله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العقله من جوفي، فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا اذل فرق الامم».



پاورقي

[1] و قصه خروج مذکوره في ارشاد المفيد ص 198.

[2] هنا حق الجواب عم اعترض علي حسين الشرف: و لماذا لم يصالح يزيد کصلح الحسن (ع) لمعاويه فيجو بنفسه و عياله من الهلکه؟.

بلي حرب آل النبي غدر بني اميه عده مرات و لم ينجحوا، اذ تصالح الحکمان في دومه الجندل، و غدر ابن العاص مندوب معاويه بابي موسي الاشعري مندوب الامام (ع) و صالح سيدنا الحسن معاويه فغدره هذا في وعوده و عهوده و اخبرا دس اليه السم فقتله. ثم جردوا ابن عمه مسلما من سلاحه بالايمان و العهود و سرعان ما حنثوا و نکثوا و قتلوه. افبعد هذا کله يثق حسين العلاء بوعود هولاء او يظن في صلحهم السلامه؟ و من جرب المجرب حلت به الندامه. نعم علم الحسين (ع) انه مقتول اذا بايع و مقتول اذا لم يبايع و في حاله خطره کهذه لا يسوغ شرع او عقل اختيار قتله خسيسه علي قتله شريفه «فقتل امري‏ء في جانب الله افضل» لا سيما و في اعلانه الاخلاف ظن النضره و النجده و مظنه ارجاع مجده و احياء شعار شرع جده (ص).