بازگشت

الامر 1


بكل صراحة أقول: إنّ علة تحريم الشبيه وخروج المواكب اللاطمة والضرب بالقامات عند صاحب المقالة ليس هو ما ذكره من السفاسف. كيف والمقاتلة التي هي علّة تحريم اللطم في الطرقات اتفاقية نادرة وليست بلازمة ولا مقصودة لأهل الموكب غالباً، وموت الجماعات في كل سنة ـ الذي هو علة تحريم موكب السيوف ـ قد عرفت أنه فرية صريحة، والسخرية ـ التي هي علة تحريم الشبيه ـ كذلك وعلي فرض تحققها فهي لا توجب الاستهزاء بدين الإسلام المنزّه عن كل عائبة، والأمور التي سطّرها ـ من إنكار الوثبات والزعقات ومن كون اللطم محله المآتم لا الطرقات بحكم العقل والشرع ـ هي من التلفيقات الفارغة، ونسبة ذلك إلي العقل والشريعة فرية أخري وهي عليه غير خفية، ومن أكبر الشواهد علي أنّ تحريمه لا لذلك ـ مضافاً إلي هذا ـ قوله في الصفحة 10 ما ملخصه: بأنه منذ خمس عشرة سنة كان أهل الكويت يخرجون الشبيه علي التفصيل الذي سبق فمنعتهم وصاروا من يومئذ يلطمون في المآتم ولا يخرجون وبذلك قطع دابر ما ربما ينجم من المحرمات والفتن ـ انتهي.

فإنه ليس في الكويت من يومئذ للآن [1] فئات متقابلة ولا لهم محلات كثيرة متعادية تقع بين أهلها المنافرة والمنافسة حتي يحدث من خروجهم القتال فيما بينهم، إن هم إلاّ فئة من الأعاجم يشوبهم أخلاط من البحارنة وغيرهم ممن ليس له قوة المخاصمة والمنازعة لو كان له منافر ومنافس، كيف والسلطات القاهرة وسلطته الروحية هناك تحول بينهم وبين أن تحدث بينهم المقاتلة في مثل ذلك المحل الذي هو بالقري أشبه منه بالبلدان الواسعة.

أمّا سخرية الأجانب فهي هناك معدومة لقلة الأجانب يومئذ وعدم سخريتهم، لأنهم من الذين لا يهمّهم من أمر الديانات شيء.

الذي أظنه (وظن الألمعي يقين) أن هذا الرجل يذعن بمسؤولية جميع ما سلف كما يومئ إلي ذلك ما ذكرته ثمة وإنما يمنع من ظهور الشبيه والمواكب للملأ تأليفاً بين الفرق وأن لا يظهر بعضهم بمظهر المخالف للبعض الآخر.

وقد فاته أن يلتفت إلي أنّ مورد المخالفة ليس جوهرياً بعد وحدة الدين والاشتراك بالضروريات من أحكامه وغيرها (إنّ الدين عند الله الإسلام) [2] إن التأليف الذي يقصده ـ بترك التظاهر بتلك المراسم ـ أمر مغروس في ذهنه منذ كان في الكويت وهو اليوم يعالجه ولا يكاد يحيره ولأجله يتشبث بالتهاويل ويذعن لتلك التمويهات والمفتريات وكأنّ هذا المنع عنده من باب الأمر بترك الراجح لما هو أرجع منه، لا من باب النهي عن المنكر وإن صدّر مقالته بذلك، ولعلّه إلي هذا يرمز صاحب جريدة (الأوقات العراقية) إذ يقول نقلا عن السيد المذكور: (إن تلك المواكب عامل من عوامل التفرقة ورمز يشير إليها).

وهذا إن كان من الناقل فهو اختلاس للحق وإن كان من القائل فهو اشتباه، وذلك أن تلك المواكب وهاتيك الأعمال ليست مفرّقة بين المسلمين، نعم هي مظهر للفرق بين فرقهم، والفارق جليّ بين المفرّق بينهم وبين وجود الفارق ـ أجل التمثيل فارق ـ المواكب فارق ـ المآتم فارق ـ لبس السواد فارق ـ فوارق وأي فوارق شابت عليها اللمم والمفارق، واعترف بفوائدها المصاحب والمفارق، فإن تكن هذه رموزاً فهي رموز لامتياز الشيعة عمن سواهم، فلتكن تصريحات بدل كونها رموزاً، فان الرمز بهذا المعني سواء أكان هو أحد الأمور المذكورة أم غيرها مما لابد منه.

إنّ المطلوب من المسلمين إزالة التعصّب المذهبي فيما بينهم، لا ترك الرسوم المذهبية عندهم، وشتّان بين الأمرين، ومن اختلاطهما وقع الاشتباه، التعصب المذهبي مظهر وقوع الشقاق بين المسلمين شقاقا مذهبياً، ويقابله التساهل المذهبي المقتضي لإطلاق الحرية لكل ذي مذهب من المسلمين أن يأتي بمراسم مذهبه بلا استياء ولا منازعة من أرباب المذهب الآخر، لا ترك الرسوم المذهبية، وثمرة هذا التساهل علو الإسلام باتجاه كلمة المسلمين وأين هذا من كون الفوارق المذهبية مفرّقة؟! نعم لو كانت تلك الفوارق توجب إخلال الجعفرية بالواجب عليهم من رفع منار الإسلام أو أنها توجب تهجين المراسم المذهبية للفرق الأخري لكان حقّاً لها أن تتعصب وتعتصب أمامها ولكنّها - مع كونها همجية كما يقولون – لا تمس كرامة المذاهب بشيء ولا توجب الإخلال بأي واجب.

لقد مرت أزمنة عديدة والجعفرية فيها يدعون في مآتمهم ومواكبهم إلي توحيد كلمة المسلمين، فما وجه دعواهم هذه ياتري في تلك الحال إذا كانت المواكب هي المفرقة فيما بينهم.

أجل إنّها فوارق مذهبية لا مفرقة لجماعتهم الملتئمة ـ فهذه الكلمة [3] إمّا بذر للتفرقة أو وهم واشتباه ـ.

وإذا شئت أن أريك التعصب المذهبي ملموساً باليد فتأمّل فيما أنقله لك عن المقريزي في خططه في الصفحة 385 من الجزء الثاني منه، فانه بعد أن ذكر أنّ الملوك العلويين بمصر كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق، قال: فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه علي عيالهم، ويتبسّطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً علي عادة أهل الشام التي سنّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن علي الحسين بن علي (عليه السلام) لأنه قتل فيه ـ انتهي.

فيا أيها الرامز إلي التفرقة في كلامه والمريد للتأليف حسب الظن بمرامه، إن كنت تجد أعمال الجعفرية مهجنة للرسوم المذهبية لغيرهم من فرق المسلمين فلك الحق في الاستياء منها، وإن لم تكن كذلك كما هو الواقع، فماذا يضرك منها وما هو سبب الاستياء من إقامتها؟!

لو أنّ في طوائف المسلمين من لا يوالي الحسين (عليه السلام) ولا يقدّر شرفه ولا مظلوميته ولا قربه من الرسول (صلي الله عليه وآله) لكان حقه أن يستاء من أقامت تذكاراته، لكنه (سلام الله عليه) ممن يشترك في ولائه جميع المسلمين وعلي جميعهم الحق في إظهار مظلوميته والنوح عليه تقرّباً إلي جدّه صاحب الشفاعة الكبري (صلي الله عليه وآله) فكيف تكون تذكاراته ـ وهو بتلك المنزلة عند جميعهم ـ رمزاً إلي التفرقة بين جماعتهم وعاملاً من عواملها؟!

وقد كثر تحامل الصحف علي الجعفرية في أعمالهم الحسينية وعسي أن يكون أصحابها هم المعنيّون في كلام صاحب المقالة بأنهم يسخرون ويستهزئون بيد إنّه يسمّيهم الأجانب وهم في الحقيقة أقارب لا أجانب قد وشجت بينهم وبين الجعفرية من عروق الدين الإسلامي نوابضه ورواهشه وشواكل قلبه.

واشتبكت أواصر القرابة بينهم في الأعضاء الرئيسة من جسم دينهم الأقدس وهؤلاء في الحقيقة لا يسخرون بل يستاءون وتتأثر قلوبهم ولو لم يكونوا قد أدركوا النكات الدقيقة العائدة بالنفع المذهبي علي الجعفرية من جميع هذه الأعمال ـ التي تعملها الشيعة في شهر المحرم في مآتم وموكب وتمثيل ـ لما استاءوا ولما جدّوا ليل نهار في رفعها ودرس أثرها.


پاورقي

[1] يقصد عام تأليف کتابه هذا وهو عام 1345 هجرية.

[2] الآية (19) من سورة آل عمران.

[3] أي کلمة جريدة الأوقاف العراقية، وکلمة ذلک السيد.