بازگشت

الامام الشهيد الاول


قال شيخنا الشهيد الأول (محمد بن مكي) في كتابه (ذكري الشيعة) بعد إيراد الخبر المزبور: والمراد بذلك تنبيه الناس علي فضائله وإظهارها ليقتدي بها ويعلم الناس ما كان عليه أهل البيت فتقتفي آثارهم - انتهي.

فانظر متأمّلاً إلي آخر كلامه هذا الذي يريد به أنّ ندبته بتلك المجامع سبب لظهور التشيع في الناس لارتفاع الاتقاء عليه بعد موته (سلام الله عليه).

ومن هذا تعرف أنّ النوادي الخاصة محل عزاء من لا شرف له كالحسين (عليه السلام) وابنائه، ولا فضل له ولا قرب كفضلهم وقربهم ولا مظلومية له كمظلوميتهم، أما هم، فان أوقع المحال لندبتهم المجامع العمومية كمني وغير مني.

وفي آخر هذا الفصل طلب الكاتب من الله أن يتفضل علي أهل المواكب السائرة برفض ما تعوّدوه في اللطم من المقاتلة والسير علي الهيئات المنكرة من الوثبات والزعقات الموحشة.

فكأنّه يتمني لكل فرد من أفراد الجعفرية حتي الشبان منهم وأهل المهن الدنيّة والبذيئيين أن يكون لهم مثل ما هو حاصل لأغلب الشيوخ والصلحاء من الهدوء والسكون والمشي بخشوع ووقار، وهذا مالا يكون، ولكن لا يلزم أن تكون المواكب علي هذه الحال المتمناة، فإنّ تلك الوثبات والزعقات الموحشة ـ علي ما يقول ـ لها من التأثير في بعض القلوب ما لا يؤثره الوقار والتوئدة (وفي الحمية معني ليس في العنب) أوهما حقيقة (مثل الفواكه كل فيه لذته) والناس ليسوا علي شاكلة واحدة.

وذكر الوثبات والزعقات علي لسان هذا الرجل تهويل آخر وإعابة لحال المواكب الحسينية، والحقيقة لا تنزجر بالتهاويل، والأحكام لا تستند في نفي أو إثبات إليها، وما تضر الوثبات من فئات لم تبن سائر أعمالهم العبادية والعادية علي الخشوع والاستكانة، هؤلاء الزوار من الأعراب يجتمعون موكباً كبيراً يتواثبون ويزعقون وينشدون من الشعر الدارج بلغتهم المسمّي عند العامة (هوسه) وهي بلحنها مهيّجة للشعور. متضمنة لنحو (يحسين اشرب ماي عيوني) وشبهه فتطير القلوب لهم فرحاً ويلقون من كلّ أحد الترحيب بهم والارتياح إلي هيئتهم المنكرة بزعم هذا الرجل لأنّها وثبات وزعقات.

بالله عليك، أي فرق بين مواكب زائري سيد الشهداء الذين يختلط بهم مثل (الوحيد البهبهاني) استاذ الكلّ في الكلّ وهو لا يعرف ما يقولون بمادته ولحنه. وبين مواكب اللطم في نفس الوثبات والزعقات التي أنكر الكاتب عليها؟!

اللهم أني لا أجد فرقاً بين وثبات الموكب وبين الهرولة في السعي إن لم تكن تلك أهون، ولا بين التلبية برفيع الصوت وبين ألحان المواكب.