بازگشت

انما ادعيتم هذا الامر بنا...


و يشير كتاب محمد بن عبدالله بن الحسن للمنصور الي هذه الحقيقة اشارة واضحة حينما يقول له: (... و انما ادعيتم هذا الامر بنا و خرجتم اليه بشيعتنا و حظيتم بفضلنا و ان أبانا عليا عليه السلام كان الامام، فكيف ورثتم ولاية ولده و قد علمتم أنه لم يطلب هذا الأمر أحد بمثل نسبنا و لا شرفنا..) [1] .


لقد كانت نغمة الثأر لآل البيت عليهم السلام هي التي عزفها العباسيون في بداية سعيهم للحصول علي السلطة و حتي في بداية حكمهم، كما فعل أبوالعباس السفاح حينما خاطب رأس مروان الحمار، و قد وضع بين يديه، قائلا: (الحمد لله الذي لم يبق ثأري قبلك و قبل رهطك، و الحمد لله الذي أظفرني بك و أظهرني عليك. ما أبالي متي طرقني الموت. قد قتلت بالحسين و بين أبيه من بني أمية مائتين و أحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي و قتلت مروان بأخي ابراهيم...) [2] .

كان أب العباس يريد أن يستغل تعاطف أبناء الامة الذين أدركوا سلامة توجهات أهل البيت و نتائج ثورة الحسين في تحطيم الدولة و كان يعرض نفسه كأحد ثوار آل محمد و كأحد الموتورين لقتلهم.. و لعله كان يضحك في قرارة نفسه علي أولئك الذين يصدقون دعاواه بشأن حزنه علي الحسين و الثائرين من أهل البيت.

وقد وردت اشارة واضحة عن أميرالمؤمنين عليه السلام يؤكد فيها علي ذهاب دولة أمية علي مجاميع من المسلمين، منهم من يتسمك بآل البيت عليهم السلام كالآخذ بالغصن أينما مال ماله معه، فأينما سلكوا سلك معهم، و منهم من لا يكون هذا حله و ان ادعي وده و نصرته لآل البيت، و قد تكون دعواه هذه وسيلة لغاية يطمح اليها، كما كان شأن بني العباس.. علي أن الكل ادعوا أنهم شيعة هاشمية غرضها ازالة بني أمية.. منهم من كان يوالي أميرالمؤمنين و بنيه عليهم السلام و منهم من حاد عن ذلك أو أضمر الانحراف و الخروج عن موالاته منذ البداية، بعد أن كانوا جميعا من شيعته، أو هكذا ادعوا: (افترقوا بعد الفتهم، و تشتتوا عن أصلهم، فمنهم آخذ بغصن، اينما مال مال معه. علي أن الله تعالي سيجمعهم لشر يوم لبني أمية كما تجتمع قزع الخريف، يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب، ثم يفتح الله لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين حيث لم تسلم عليه قارة و لم تثبت عليه أكمة، و لم يرد سننه صلي الله عليه و آله و سلم طود و لا حداب أرض، يذعذعهم الله في بطون أوديته، ثم يسلكهم ينابيع في الارض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، و يمكن لقوم في ديار قوم. و أيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين كما تذوب الألية علي النار..) [3] .

كان العباسيون - الي أن استملوا السلطة - شيعة لعلي و آله عليهم السلام، ادعوا


ولاءهم و حبهم و نصرتهم و المطالبة بحقهم، الا أن الايام كشفتهم، و لم يكتفوا بأن سلبوا أصحاب الحق حقهم، بل قاموا بأكثر مما قام به الأمويون بحقهم و حاولوا التقليل من أهميتهم و ركزوا الاضواء علي أنفسهم، و حاولوا أن يظهروا أمام الامة و كأن لهم قضية خاصة قبالة العلويين، و كأنهم قد ظلموا فعلا عندما تصدي لهم بعض أبناء ذلك البيت العلوي الذي شيدوا علي أساسه مجدهم و سلطانهم، و قد أفصحوا في النهاية في صراعاتهم حتي مع بعضهم البعض عن نواياهم بالاستحواذ في الملك العضوض، و قد رويت لنا قصص عديدة عن صراعات دامية بين أفراد الأسرة العباسية لم ير فيها أي فرعون منهم سوي نفسه و مصالحه و مجده الشخصي.


پاورقي

[1] المعقد الفريد 292/5 و أورد الطبري قوله للمنصور (.. و ان أبانا عليا کان الوصي و کان الامام فکيف و رثتم ولايته و ولده أحياء، ثم قد علمت انه لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا و شرفنا و حالنا و شرف آبائنا..) 431/4.

[2] مروج الذهب 311/3.

[3] شرح ابن‏أبي‏الحديد م 2 ص 469 - 468.