بازگشت

الثورة: مفعول اكيد لكشف الانحراف


يتطرق بعض مؤرخي ثورة الحسين الي أمر يعتقدون معه أن تلك الثورة لم تكن ناجحة، و ذلك بسبب ما يلاحظونه من حالة الازدهار الظاهري للدولة الاموية طيلة فترة طويلة و مظاهر القوة التي بدت بها تلك الدولة التي عمدت الي قمع أعدائها و معارضيها و توسيع فتوحاتها و الاخذ بوسائل الغني و الرفاه حتي عاش خلفاؤها حياة أسطورية في الترف و النعيم..!! و مهما تكن الاسباب التي تدعو هؤلاء للتحيز الي جانب تلك الدولة، و هي عديدة.. فان آخرين، علي الضد من هؤلاء يعتقدون أن الثورة التي أثارت قدرا كبيرا من الاستنكار بين أوساط الأمة، قد عملت معاولها بسرعة متزايدة و متصاعدة - و منذ البداية - علي هدم ذلك النظام الذي كان السبب في مذبحة الطف، حتي أن مجرد موت يزيد كان نتيجة حتمية لتلك الثورة، مع أن موته كان أمرا متوقع الحدوث، كموت غيره من الناس، طالت مدة حياته أم قصرت و سواء كان ذلك بسب حادث أو مرض أو غيره..

صحيح أن تلك الثورة قد عملت معاولها بصورة فعالة و منذ البداية، الا أن عملها كان يسير بشكل بطي ء الا أنه متصاعد و فعال بل و أكيد.

و اذ أن هذه الدولة قد بقيت و قويت و استمرت، فان هذا قد يترك أولئك الذين يريدون بناء نتائج سريعة و حاسمة، في حيرة كبيرة.

مات يزيد، و ثارت المدينة و مكة و الكوفة، و قتل قتلة الحسين و من قتلهم أيضا، و قامت عدة ثورات - كما رأينا - الا ان الدولة الاموية لم تسقط حالا، بقيت و تصاعدت ممارساتها المنحرفة و تمادت في انحرافها و استهتارها الي أبعد حد، و بدت قوية في الظاهر - و هو ما زاد حجة خصومهم قوة كما قلنا - و زادت أسلحتها و تعددت وسائل القمع و الارهاب التي عمدت اليها، بل و اكتسبت خبرة في مجال بسط سيطرتها و نفوذها.


و قد يتساءل البعض ممن يحيرهم ذلك، هل استشهد الحسين عليه السلام ليتصاعد الظلم و يطغي؟ و يتمادي الظالمون في ممارساتهم الجائرة..؟ فانهم أمام عدم قدرتهم علي الاجابة و علي فهم الموضوع برمته، لا يلبثون أمام ذلك الا قليلا حتي لتفتون الي بعض مظاهر الضعف التي ربما تلوح في أفق دولة الظلم الاموية في بعض الأحيان ليتخذوا ذلك دليلا وحيدا علي نجاح ثورة الحسين عليه السلام بعد أن يكبروه و يضخموه..

لقد هالهم أن الذين ارتكبوا جريمة قتل الحسين و أصحابه، ما داموا قد فعلوا ذلك و ظلوا علي سدة الحكم، قد أصبح بامكانهم ارتكاب العديد من الجرائم الاخري دون رقابة و دون أن يرفع أحد من الامة يدا او أصبعا في وجوههم. لقد تمادوا فعلا الي أبعد حد في تلك الجرائم المقززة، حينما حسبوا أن التمادي كان حقا مشروعا لهم و أنهم يستطيعون الذهاب الي أبعد غاية ممكنة ما دام ذلك يحق بسط نفوذهم و سيطرتهم.. مع أن ذلك يعني - علي المدي البعيد - السير الحثيث و الاكيد نحو السقوط و الهاوية.

ان التمادي في الانحراف - مهما كانت قوة المنحرف و سلطانه - لا يعني انه أصبح بمنجاة من المصير المشؤوم الذي سيؤول اليه بعد ذلك، و لو بعد حين من الزمن، بل يعني الوقوع بين براثن انحرافات أخري و خيمة لا تحمد عقباها، بل انه الموت الاكيد و الاندثار المحتم.