بازگشت

مذلون مهانون


و أمر هؤلاء المتعاونين المنحازين الي دولة الظلم باختيارهم و دون أن يدعوهم أحد لذلك، أمر مثير للانتباه حقا، فهم لم يكونوا من الوجهاء المرموقين أو المستفيدين من عطاء الدولة، لكنهم من المحرومين المبعدين عن الجاه و المال كليهما، و مع ذلك فاننا نحسب أن طموحات وضيعة تدعوهم للتقرب من أقطاب الدولة بالسعاية و ابداء المواقف البطولية المشهودة [1] ، و لا نحسب أنهم يطمحون بأكثر من ابتسامة رضا أو قليل من الدراهم لا غير، و مع ذلك يندفعون اندفاعة عمياء وراء الظالمين و كأن مستقبلا مشرقا ينتظرهم اذا ما خدموا هؤلاء، و كأن طاقة للحظ السعيد ستفتح أبوابها اذا ما أحسنوا أداء تلك الخدمة التطوعية التي لم يطالبهم بها أحد.

و أمامنا هنا قائمة طويلة من هؤلاء المتطوعين الذين كان جل همهم أن تلتفت اليهم دولة الظلم و تجعلهم من أعوانها.

فهذا سليمان بن سراقة الذي و شي بزيد لدي يوسف بن عمر و سبب اعلان الثورة قبل أوانها و فشلا فيما بعد...

و هذا نائل بن فروة الذي حاول أن يظهر بطولته! أمام يوسف بن عمر ليعجب به و الذي تعهد تقبل نصر بن خزيمة أو يقتل دون ذلك... و قد قتله نصر فخسر كل شي ء.

و هذا العبد السندي - أو العبد القصار - الذي دل أعوان يوسف بن عمر علي مكان جثة زيد، بعد أن حاول أصحابه اخفاءها في مجري أحد الانهار.

و هذا التابع الاموي الذي كتب الي هشام يذكر له أمر زيد...

و هذا القحطاني الذي حاول النيل منه و شتمه في مجلس حاكم المدينة الأموي.

و هذا المملوك الخراساني الألكن الذي بعثه ممثل يوسف ليتجسس علي أصحاب زيد و يكشف أخبارهم بزعم أنه قدم من خراسان حبا لأهل البيت عليهم السلام و أن معه مالا يريد أن يقويهم به...


و لم يزل يلقاهم حتي أدخلوه علي زيد، فخرج مذل يوسف علي موضعه [2] .



ألا يا ناقض الميثاق

أبشر بالذي ساكا



نقضت العهد و الميثاق

قدما كان قدماكا



لقد أخلف ابليس الذي

قد كان مناكا



و برد قوله عندما قيل له: أتقول هذا لمثل زيد؟ قائلا: ان الامير غضبان فأردت أن أرضيه [3] ... و لا ندري ما الذي دفعه ليرضيه سوي نفسه الحائرة المهزومة.

و هذا الجندي الذي كان ضمن جنود يوسف بن عمر و الذي اندفع دون أن يطلب أحد منه ذلك لشتم فاطمة سيدة نساء العالمين بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الذي لقي عقابة في احدي معارك زيد مع جنود السلطة - الأصفهاني / مقاتل الطالبيين ص 140.

ان هذه النماذج تتكاثر في ظل دول الظلم و أمرها جدير بدراسات اجتماعية جادة من شأنها كشف هذه الأدواء و وضع علاج لها في المستقبل اذا ما تعرف الناس عليها و اكتشفوا ضآلة المكاسب التي يحصل عليها أصحابها، بل الخسائر الكبيرة التي تلحق بهم و بمجتمعاتهم... ألسنا نعاني من هذه الظاهرة حتي يومنا هذا؟


پاورقي

[1] و قد أفردنا فصلا صغيرا عند استعراض ثورة الحسين عليه‏السلام في هذا الکتاب للحديث عن هذه الظاهرة، و تحدثنا عن بعض النماذج التي لفتت الأنظار اليها.

[2] راجع المصادر السابقة ففيها أخبار متفرقة عن هؤلاء.

[3] و قد رد عليه أحد شعراء المدينة بقوله:



أيا يا شاعر السوء لقد أصبحت أفاکا

ألا صبحک الله بخزي ثم مساکا



أشتم ابن‏رسول الله يرضي من تولاکا

و يوم الحشر لا شک بأن النار مثواکا



(الطبري 210 - 209/4).