بازگشت

في المسجد اخرجوا من الذل الي العز.. اخرجوا الي الدين و الدنيا


و صل زيد و أصحابه المسجد و جعلوا (يدخلون راياتهم من فوق الابواب، و يقولون: يا أهل المسجد أخرجوا، و جعل نصر بن خزيمة [1] يناديهم و يقول: يا أهل الكوفة، أخرجوا من الذل الي العز، أخرجوا الي الدين و الدنيا، فانكم لستم في دين و لا دنيا. فأشرف عليهم أهل الشام فجعلوا يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد - و كان يومئذ جمع كبير بالكوفة في نواحيها...) [2] .

كانت محاولات ادخال الرايات المسجد رغم وجود أعداد أهل الشام الكبيرة التي تصدت لهم بعنف تستهدف دفع معنويات المحاصرين و تشجيعهم علي الالتحاق بصفوف الثوار الا أن القوة الأموية الموجودة يبدو أنها قد أحكمت الطوق حولهم و منعتهم من أي تحرك مضاد، و كانت لصيحات نصر بن خزيمة مدلولاتها الواقعية في تلك الظرف، فما كسب المستضعفون في ظل دولة الظلم؟ لقد ذهب بدنياهم أقطاب تلك الدولة و أعوانها الكبار و استأثروا دونهم بكل شي ء و جعلوا منهم مجرد أدوات لتنفيذ أغراضهم و طموحاتهم الشخصية... و قد بلغ انحراف الدولة مداه في كل مجال. و سلخت الأمة من كل تطلع قد يعيدها الي خطها الرسالي المشرف، و أصبحت ألعوبة بيد أمراء السوء الذين لم يؤمنوا بأية قيم سماوية عليا رسخها أو أرساها الاسلام. و ها هي قد فقدت كل شي ء.

ان عودتها للاسلام تعني حصولها علي كل شي ء، علي الدين و علي الدنيا، علي قيم الاسلام الحقيقية و ممارساته العادلة التي تعيد اليهم ما اغتصب منهم في ظل


دولة الظلم، لأن ذهاب تلك الدولة الي دولة الاسلام التي تحقق لهم ممارسات حياتية من شأنها أن يجعلهم يتذوقون حلاوة الاسلام و يتفانون فيه و يحققون في ظله طموحاتهم المشروعة الصحيحة المبنية علي عدالته و شريعته لا شريعة الغاب التي طلع بها عليهم حكام السوء.

و كان أحري بتلك الصيحة أن تصل الي كل الأسماع و أن تعيها كل القلوب التي ترفض الظلم و تعاني منه، غير أن نطاق القوة المستكبرة في الكوفة قد اشتد، و لم يتح للثوار تحقيق النصر رغم استبسالهم و ثباتهم.

بعد انصراف زيد من المسجد و نزوله دار الرزق، تصدي له أحد القادة الامويين بجمع من فرسان أهل الشام (فقاتله قتالا شديدا، فخرج من أهل الشام و قتل منهم ناس كثير، وتبعهم أصحاب زيد من دار الرزق حتي انتهوا الي المسجد، فرجع أهل الشام مساء يوم الاربعاء أسوأ شي ء ظن» [3] بعد أن دارت الدائرة عليهم هذه المرة.

و قد أنب عمر بن يوسف ذلك القائد و استبدله بآخر بعثه لمواجهة زيد جرت معركة شديدة بينهما (.. ثم أن زيد بن علي هزمهم، و قتل من أهل الشام نحوا من سبعين رجلا، فانصرفوا و هم بشر حال، فلما كان العشي عبأهم يوسف بن عمر،ثم سرحهم، فأقبلوا حتي التقوا هم و أصحاب زيد، فحل عليهم زيد في أصحابه فكشفهم ثم تبعهم حتي أخرجهم الي السنجة، ثم شد عليهم بالسنجة حتي أخرجهم الي بني سليم، ثم تبعهم في خيلة و رجاله، حتي أخذوا علي المسناة.

ثم ان زيدا ظهر لهم فيما بين بارق و رؤاس، فقاتلهم هناك قتالا شديدا، فجعلت خيلهم لا تثبت لخيله و رجله) [4] .

كان يبدو أن لا مجال للتغلب علي زيد في مثل تلك المواجهات، بل انه هو الذي انتصر عليهم رغم قلة رجاله و تجهيزاته، و كان الامر ينذر بمخاطر عديدة قد تنشأ عن انتصار كبير يحققه عليهم، و قد تميل الكفة الي جانبه نهائيا، و هو الامر الذي كان عليهم اجتنابه و الحيلولة دون تحقيقه، فالكوفة لا يمكن أن تظل متجاهلة انتصارات زيد و لا بد أن تنتفض كلها معه في نهاية المطاف اذا ما استمرت هذه الانتصارات.



پاورقي

[1] و هو من أصحاب زيد المخلصين، و هو الذي اقترح عليه فک حصار المسجد الاعظم.

[2] الطبري 206/4 و ابن‏الاثير 454/4.

[3] الطبري 207 - 206/4 و ابن‏الاثير 454/4.

[4] الطبري 207 - 206/4 و ابن‏الاثير 454/4.