بازگشت

الصراع المكشوف ليس في صالح الائمة


و كان ما يعلمه أهل البيت عن حقهم الأكيد في الخلافة و السلطة يعلمه الآخرون و منهم مغتصبو السلطة أنفسهم، الذين كانوا يراقبون الأئمة عليهم السلام مراقبة دقيقة لالحاق أشد ضروب الأذي و التنكيل بهم عند ظهور أدني بادرة للمطالبة بالخلافة أو السعي لها، فلم يكن أمرا واردا بنظر هم أن يتنازلوا طواعية عما شيدوه و أقاموه ليبقي ارثا لأبنائهم و أحفادهم الي الابد، و كانوا سيلجأون الي التصفيات الجسدية التي طالم لجأوا اليها من قبل للاحتفاظ بسلطانهم و ملكهم، و سيكون الأئمة أول المستهدفين بتلك التصفيات. و قد رأينا كيف لجأ معاوية الي دس السم للامام الحسن عليه السلام لكي يخلو له الجو من بعده و يقيم ابنه يزيدا وليا للعهد، و كيف لجأ هذا الاخير الي تنظيم أبشع مجزرة في كربلاء قتل فيها الحسين عليه السلام و مجموعة من أهل بيته و أصحابه آزروه في وقفته الباسلة بوجه الانحراف الأموي المكشوف.

و لم يكن أمثال هشام ليتورعون عن اللجوء الي ما لجأ اليه أسلافهم من قبل، و كان لا بد للأئمة من انتهاج طرق للعمل تنسجم و طبيعة المراحل التي كانوا يعيشونها في ظل القيادات المنحرفة، و كانوا بسعيهم الي اعداد فئات رسالية طليعية من بين أبناء الأمة و تربيتها علي نهجهم السليم يجعلون الأمة متحفزة دائمة لمواجهة الانحراف و الانقضاض علي دولة الظلم و ان لم يكونوا يبدون في الظاهر ساعين للسلطة أو لتغيير نظام الحكم. اذ أن من شأن ذلك يفسح المجال لدولة الظلم لكي تنكل بهم و تنال منهم بل و تبيدهم ثم تعمد بعد ذلك الي اخفاء جريمتها بعد أن تعرضهم علي


المسلمين كمنافسين علي السلطة طامعين بالمكاسب و الامتيازات التي توفرها للحاكمين أمثالهم هم.

ان الصراع المكشوف بين الأئمة من أهل البيت عليه السلام و بين خصومهم و خصوم المسلمين الذين تسلطوا علي مقدراتها بالاكراه و المكر لن يكون في صالح الائمة، بينما يتمتع الخصوم بالقوة و السلاح الذي لن يتورعوا عن استخدامه بطريقة غادرة تلحق أشد الأذي بهم و بالمسلمين عموما، و لم يكن معني ذلك أن يسكت الأئمة عن أعداء الأمة أو يقروا أفعالهم أو تصرفاتهم و لم يكن من المعقول أن لا تكون هناك مواجهة بينهم و أن تكن حذرة أو سرية و لا تكون باسم الامام نفسه.

كان واقع الامة في ظل الحكم الأموي المنحرف تحتم القيام بعملين في وقت واحد: (أحدهما: العمل من أجل بناء القواعد الشعبية الواعية التي تهيي ء أرضية صالحة لتسلم السلطة، و الآخر: تحريك ضمير الأمة الاسلامية و ارادتها، و الاحتفاظ بالضمير الاسلامي و الارادة الاسلامية بدرجة من الحياة و الصلابة تحصن الامة ضد التنازل المطلق عن شخصيتها و كرامتها للحكام المنحرفين. و العمل الاول هو الذي مارسه الأئمة بأنفسهم، و العمل الثاني هو الذي مارسه ثائرون علويون كانوا يحاولون بتضحياتهم الباسلة أن يحافظوا علي الضمير الاسلامي و الارادة الاسلامية. و كان الائمة عليهم السلام يسندون المخلصين منهم...

فترك الائمة عليهم السلام اذا العمل المسلح بصورة مباشرة ضد المنحرفين لم يكن يعني تخليهم عن الجانب السياسي من قيادتهم و انصرافهم الي العبادة، انما كان يعبر عن اختلاف صيغة العمل السياسي التي تحددها الظروف الموضوعية و عن ادراك معمق لطبيعة العمل التغييري و أسلوب تحقيقه). الشهيد الصدر - بحث حول الولاية 54 - 53.

و لم نجد اماما ندد بثورة قام بها أحد ذويه أو أصحابه للنيل من دولة الظلم المتجاهرة بالانحراف، بل وجدنا علي العكس من ذلك من أشاد من الائمة بتلك الثورات و القائمين عليها، و وجدنا أنهم كانوا يحثون الناس علي الالتحاق بها و تأييد الثوار، طالما أن محصلتها النهائية ستكون لصالح المسلمين.