بازگشت

عوامل اججت نار الثورة


و اذا ما استعرضنا تلك الاحداث التي ذكرت لنا ذكرا مبترا منقوصا و لم تتح للكتب و المصادر التاريخية نقلها كلها نقلا وافيا، فان تلك الأحداث المقطوعة عن مسبباتها الحقيقية قد لا تكون سببا وحيدا لثورة انسان عرف بعلمه و ورعه و تقواه كزيد بن علي بن الحسين و قد تكون سببا لوصم تلك الثورة بأنها كانت مجرد رد فعل لبعض الاهانات التي ألحقت بشخصه من قبل الحاكم الاموي و أعوانه، و هو الأمر الذي ما كان يقدم عليه زيد لو أنه كان كذلك و لما عرض المئات من أصحابه للموت قتلا لو أنه كان يريد الانتقام ممن آذوه و حاولوا الحاق الاهانة به، و من هنا كان الاختلاف في سبب ثورته.

فأما الرواية التي تنسب لعبد الله بن عياش فتذكر أن زيد بن علي و محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب و داوود بن علي بن عبدالله بن عباس قدموا علي و الي العراق من قبل هشام بن عبدالملك، خالد بن عبدالله القسري [1] ، فقدم لهم جوائز


و رجعوا الي المدينة. فلما عزل خالد و ولي يوسف بن عمر كتب الي هشام بأسمائهم و بما أجازهم به وادعي أن خالدا ابتاع من زيد بن علي أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينا ثم رد الأرض عليه، و لما كان يوسف بن عمر الذي اشتهر بقسوته و كراهيته لآل البيت عليه السلام قد أراد أن يتقرب من هشام بادعاء الحرص علي ارجاع الأموال التي سرقها سلفه من المسلمين و أراد انتزاعها منه بالقوة، فانه عمد الي تلك الوشاية للتنكيل بخصومه جميعا، و قد كتب هشام الي عامل المدينة أن يسرحهم اليه ففعل، فسألهم هشام فأقروا بالجائزة، و أنكروا ما سوي ذلك، فسأل زيدا عن الأرض فأنكرها، و حلفوا لهشام فصدقهم [2] .

و تضيف رواية أخري عن هشام بن محمد الكلبي: ان الذي ادعي مالا قبلهم هو يزيد بن خالد - الذي ربما كان قد فعل ذلك تحت تهديد يوسف بن عمر - الذي كتب الي هشام بذلك، فبعث اليهم فذكر لهم ما كتب به يوسف، فأنكروا، فبعث بهم هشام الي الكوفة ليجتمعوا بيزيد بن خالد و يثبتوا براءتهم هناك.. و اذ أن يوسف بن عمر كان متحاملا عليهم فان زيد طلب من هشام ألا يبعث بهم الي هناك لئلا يعتدي عليهم يوسف و ان هشام طمأنهم و أرسل معهم رسالة أمر فيها يوسف أن يجمع بينهم و بين يزيد بن خالد القسري، فان هم أقروا بما ادعي عليهم فليسرح بهم اليه، و ان هم أنكروا فليسله بينة، فان هو لم يقم البينة فليستحلفهم بعد العصر، ما استودعهم يزيد و لا له قبلهم شي ء ثم يخلي سبيلهم.

و تختلف الروايات حول الشخص الذي استودعهم مالا، هل هو خالد القسري أو ابنه يزيد، و يذكر عن عطاء بن مسلم (أن زيد بن علي لما قدم علي يوسف، قال له يوسف: زعم خالد أنه قد أودعك مالا! قال: أني يودعني مالا و هو يشتم آبائي علي منبره، فأرسل الي خالد فأحضره في عباءة، فقال له: هذا زيد، زعمت انك قد أودعته مالا و قد أنكر، فنظر خالد في وجههما، ثم قال: أتريد أن تجمع مع اثمك في اثما في هذا! و كيف أودعه مالا و أنا أشتمه و أشتم آباءه علي المنبر. فشتمه يوسف ثم رده) الطبري 196/4 و يبدو واضحا ان الأمويين و صنائعهم أرادوا تلفيق هذه التهمة لزيد و اجباره علي دفع الاموال التي ادعوا أنه احتفظ بها لخالد بزعمهم.


و في الكوفة أنكر يزيد أن يكون له قبلهم شي ء ثم استحلفهم يوسف فحلفوا له، فكتب الي هشام بذلك فأمره هشام أن يخلي سبيلهم فخلي عنهم، فلحقوا بالمدينة عدا زيد فانه أقام بالكوفة [3] .


پاورقي

[1] أصبح خالد القسري أيام ولايته من الأثرياء المشهورين حتي بلغت غلته عشرين مليونا کل عام، و کان نهر خالد الذي حفره يغل خمسة ملايين کما أن غلة ابنه قد زادت علي عشرة ملايين. و قد کتب اليه هشام أن لا يبيع غلاته حتي تباع غلته هو و يبدو أنهما کانا يتنافسان علي احتکار السوق في العراق. و قد صادر خلفه علي ولاية العراق، يوسف بن عمر الذي کان أبوه بائعا للخمر - أمواله التي بلغت مائة مليون ثم قتله أيام الوليد بن يزيد سنة 126 ه. و يوسف بن عمر هذا الذي اشتهر بهديته الأسطورية للوليد التي ضمنت خمسمائة وصيفة و أباريق الذهب و الفضة و تماثيل الظباء و رؤوس السباع و الأبايل، أرسل اليه مع تلک الهدية برابط و طنابير و صناجات و کل بازي و برذون فارة. و قد قتل بعد ذلک بأمر يزيد بن الوليد الناقص.

[2] الطبري 193/2 و ابن‏الاثير 443/4.

[3] الطبري 194 - 193/4 و ابن‏الاثير 444 - 443/4.