بازگشت

كاد ان يقبل بتنازلات عبدالملك لولا رفض العراقيين


و قد اقترح ابن الأشعث في اجتماع حاشد عقده مع قواده و رؤساء جيشه أن يقبلوا بعروض عبدالملك التي بدت معقولة و تحقق الحد الأدني من مطاليبهم لأن


قبولهم بها و هم في حال القوة التي بدوا بها، سيجعلهم أعزا مهابين يحسب لهم عدوهم ألف حساب في المستقبل قبل الاقدام علي أية ممارسة ظالمة [1] .

و ربما أدرك ابن الأشعث أن عرض عبدالملك قد أوجد تيارين متناقضين في جيشه بمجرد طرحه، اذ أن هناك من يميل الي السلم و الموادعة طالما أن مطلبا رئيسيا من مطالبه قد تحقق، و هو تنحية الحجاج عن عرش العراق، و ربما وجدت الثغرة منذ ذلك الحين في صفوف ذلك الجيش الذي بدا متماسكا الي تلك اللحظة التي طرح عليه فيها عرض عبدالملك.

و ربما أراد ابن الاشعث انتهاز فرصة أخري مناسبة للوثوب بعبد الملك و خلعه خصوصا و أنه لم يستطع خلال أشهر عديدة و جيشه يتفوق علي جيش الحجاج أن يزيحه عن مواضعه و يلحق به هزيمة حقيقية منذ معركة تستر، مع أن (أهل العراق تأتيهم موادهم من الكوفة و من سوادها فيما شاءوا من خصبهم، و اخوانهم من أهل البصرة و أهل الشام في ضيق شديد، قد غلت عليهم الأسعار، و قل عندهم الطعام، و فقدوا اللحم، و كانوا كأنهم في حصار، و هم علي ذلك يغادون أهل العراق و يراوحونهم فيقتتلون أشد القتال...) [2] .

غير أن العراقيين رفضوا ما عرضه عليهم عبدالملك و ما اقترحه عليهم قائدهم ابن الاشعث، و لعل السبب في ذلك يعود الي أمرين:

الأول: قناعتهم بضعف الجبهة المقابلة و قوة جبهتهم، مما حسبوا معها أن تفوقهم علي عدوهم سيكون أمرا مؤكدا، و قد جعلهم ذلك يثبون من كل جانب اثر سماعهم اقتراح ابن الأشعث (و قالوا: ان الله قد أهلكهم، فأصبحوا الأزل و الضنك و المجاعة و القلة و الذلة، و نحن ذوو العدد الكثير و السعر الرفيع و المادة القريبة. لا


و الله لا نقبل) [3] . و هذه القناعة العامة قد تجعل حتي أولئك الذين يميلون للمسالمة و الموادعة يرفضون ايقاف الحرب طالما حسبوا أن نصرهم مؤكد علي عدوهم.

الثاني: وجود طائفة من ذوي البصيرة والدين في جيش ابن الأشعث ممن أدركوا حقيقة انحراف النظام الأموي و علموا أن قتالهم اياه غير قابل للمساومة خصوصا و أنه استمر علي انحرافه المعلن كما كان أيام يزيد، و هؤلاء هم طائفة القراء و عليهم جبلة بن زحر بن قيس الجعفي، و كان معه خمسة عشر رجلا من قريش و كان فيهم عامر الشعبي و سعيد بن جبير و أبوالبختري الطائي و عبدالرحمن بن أبي ليلي و كميل بن زياد النخعي الذي كان يتزعم كتيبة أخري للقراء.

و يمكن أن نضيف لهذين السببين سببا ثالثا و هو أن الموالي الذين كان عددهم يقارب عدد المقاتلين الذين يأخذون العطاء قد يرون باستمرار الحكم الأموي، الذي استهدفهم خاصة مع أنهم من المسلمين، استمرارا لاضطهادهم و معاملتهم معاملة غير المسلمين، و هو ما كان الحجاج ناويا أن يفعله بفرض الجزية عليهم في البصرة، و ربما ارتفع صوت هؤلاء في تلك اللحظات رافضا ايقاف الحرب.


پاورقي

[1] قال لهم ابن الاشعث: (أما بعد، فقد أعطيتم أمراف النتهازکم اليوم اياه فرصة، و لا أمان ان يکون علي ذي الرأي غدا حسرة، و انک اليوم علي الضف، و ان کانوا اعتدوا بالزواية، فأنتم تعتدون عليهم بيوم تستر، فأقبلوا ما عرضوا عليکم و أنتم أعزاء أقوياء، و القوم لکم هائبون و أنتم لهم منتقصون، فلا و الله لا زلتم عليهم جراء، و لا زلتم عندهم أعزاء، ان أنتم قبلتم أبدا ما بقيتم) الطبري 631 - 630/3 و ابن‏الأثير 204/4.

[2] الطبري 631/3 و ابن‏الاثير 200/4.

[3] الطبري 631/3 و ابن‏الاثير 206 - 205 - 204/4.