الحجاج: كاد ان يخلعه عبدالملك عن العراق لاستمالة اهلها
و لنا أن نتصور الموقف جيدا، فمقابل جيش ابن الأشعث الذي يقارب ربع مليون شخص جمع بينهم بغض الحجاج و الكراهية له بعد أن استهدفتهم دولة الظلم الاموية باذاها و شرها، و كانوا في موقف جيدوهم (ذوو العدد الكثير، و السعر الرفيع و المادة القريبة) علي حد تعبير أحدهم [1] ، يقف أعوان الدولة المستميتين في الدفاع عنها لأنها وحدها التي تكفل مصالحهم و امتيازاتهم، و كانوا أقل من أولئك عددا و مادة، فكان الوضع يشير الي احتمال نجاح ابن الاشعث في أية معركة كبري مترقبة، خصوصا و أن الحجاج لم يستطع النيل منه في الوقائع العديدة التي جرت بينهما، و هو الامر الذي أقلق رؤوس قريش و أهل الشام قبل عبدالملك و مواليه، و قد اقترحوا عليه، للخروج من ذلك المأزق الذي و جدوا أنفسهم فيه أن ينزع الحجاج عن العراق لكي تخلص له طاعتهم و تحقن به دماء الجميع علي حد تعبيرهم.
و يبدو أن عبدالملك قد وجد أن ذلك كان حلا مناسبا و ان لم يكن مطمئنا الي قبول أهل العراق به، لأن الحجاج لم يكن سوي أداة من الأدوات الأموية المسخرة، و لعلهم لا يطمئنون اليه و يثقون بوعوده اذ طالما غدر من قبل و لم يعد أمره خافيا عنهم.
و أرسل عبدالملك ابنه عبدالله و أخاه محمد بن مروان في جنديهما و أمرهما أن يعرضا علي أهل العراق نزع الحجاج عنهم، و أن يجري عليهم أعطياتهم كما تجري علي أهل الشام [2] ، و أن ينزل[ عبدالرحمن ] [3] بن محمد أي بلد من عراق شاء، يكون عليه واليا مادام حيا، و كان عبدالملك واليا...) [4] .
پاورقي
[1] الطبري 931 - 930 - 629/3 و ابنالاثير 204 - 203/4.
[2] و في ذلک اعتراف بقيام الدولة بالتمييز في العطاء بين أهل العراق و أهل الشام، و هو أمر اتبع منذ عهد معاوية لاستقطاب الشاميين حول العرش الأموي و جعلهم جنودا مخلصين له.
[3] زائدة - للتوضيح.
[4] الطبري 630/3 و ابنالاثير 204/4.