بازگشت

المعركة الحاسمة مع ابن زياد


و يبدأ هنا أهم فصول معارك المختار مع أعدائه، فصل معركته الحاسمة مع جيش الشام الكبير بقيادة عبيدالله بن زياد و كبار أقطاب النظام الأموي أمثال الحصين بن نمير السكوني و عمير بن الحباب السلمي و شرحبيل بن ذي الكلاع و غيرهم.

و من الغريب أن هذه المعركة غير المتكافئة من حيث العدد بين جيشي المختار بقيادة ابراهيم بن الأشتر و جيش ابن زياد الذي كان يقوده هو بسمعته المرعبة المعروفة، قد انتهت نهاية سريعة لصالح ابن الأشتر لذي كان عدد أفراد جيشه لا يتجاوز عشرة آلاف مقاتل بينما كان عدد أفراد جيش ابن زياد يتجاوز ثمانين ألف مقاتل


جاء بهم من الشام هذه المرة، و لم يكن وحيدا كما كان في المرة الأولي حين قدم الكوفة للتصدي للامام الحسين عليه السلام، و تغلب علي أهل الكوفة بأهل الكوفة.

كان ابن زياد منقذ العرش الأموي للمرة الثانية، مرة عندما كاد أن يتهاوي بخروج الامام الحسين عليه السلام الي الكوفة، و مرة عندما كاد الأمويون يستسلمون لابن الزبير و يبايعونه، و كان يبدو أمام الجميع الرجل الذي لا يغلب، و قد عزز من سمعته الأسطورية تفوقه في (معركة عين الوردة) و حمام الدم الذي أعده للتوابين هناك، رغم أن هؤلاء - مع أن عددهم كان قليلا جدا و لا يقاس بجيشه الجرار - قد ألحقوا بذلك الجيش خسائر فادحة و قتلوا منه أضعاف عددهم.

و ربما كان غضب ابن زياد هذه المرة و حقده علي الكوفة عنيفا لا يخفف منه الا مشاهدته أنهار الدم تسيل هناك، فهو ما كان ليتسامح مع من رفضوه ثانية بعد موت يزيد، و ثالثة بعد تغلب المختار و أصحابه، و حتي مع أولئك الذين هادنوا المختار و لم يحاربوه، اذ أن موقفهم المائع بنظره يجعلهم موضع شكه، و قد يستهدفهم بقمعه كما يستهدف اعداءه الظاهريين أيضا.

انشغل ابن زياد عن الكوفة نحوا من سنة بأرض الجزيرة للقضاء علي قيس عيلان الذين كانوا علي طاعة ابن الزبير. ثم دخل الموصل التي كانت تابعة للمختار، فانحاز عاملها الي تكريت و كتب للمختار بذلك، فوجه المختار جيشا صغيرا الي الموصل قوامه ثلاثة آلاف فارس، فأرسل اليهم ابن زياد ستة آلاف، غير أن جيش المختار هزمهم هزيمة منكرة رغم مرض قائده الشديد و اشرافه علي الموت، و قد مات بعد ذلك المعركة فعلا.

و قد رأي القائد الذي خلفه الأثر السلبي الذي يمكن أن تتركه مواجهة جيشه المرهق الصغير لجيش ابن زياد الجرار الذي تجاوز ثمانين ألف مقاتل. فآثر الانسحاب بعد النصر الذي حققوه علي طليعة ذلك الجيش.

و قد رأينا في غضون هذا الفصل كيف أن المختار دعا ابراهيم بن الأشتر، فعقد له علي سبعة آلاف رجل و أمره أن يناجز ابن زياد بهم و ببقية الجيش المنسحب من الموصل.

كما رأينا كيف حاول أشراف الكوفة، بزعامة شبث بن ربعي - الشريف المنقلب - استغلال غياب حوالي عشرة آلاف مقاتل من أصحاب المختار عن الكوفة، للوثوب


عليه، و القضاء علي ثورته و أجمعوا علي قتاله... و انتظروا، حتي اذا بلغ ابراهيم ساباط و ثبوا بالمختار.

و قد استطاع المختار أن يشاغلهم و أرسل يستدعي ابراهيم بن الأشتر الذي عاد مسرعا، فكانت الدائرة علي أشراف الكوفة، و قد أتيحت للمختار فرصة قتل العديدين ممن اشتركوا بقتل الحسين و أصحابه عليه السلام في كربلاء.

و عاد ابن الأشتر للمهمة التي انتدبه لها المختار و هي مواجهة ابن زياد و حربه، و كان هاجس جيش الكوفة الانتقام من ابن زياد شخصيا، و قد بدا لكل فرد من أفراد ذلك الجيش أنه عدو شخصي له و أنه قد ناله شخصيا بالأذي و الشر، فقضية الحسين عليه السلام ظلت ساخنة متجددة في نفوسهم و ضمائرهم. و لعلها القضية الأولي الكبيرة التي كان يحملها أفراد ذلك الجيش لمواجهة الجيش المرواني الأمور الذي تزعمه ابن زياد، و لو أن غير ابن زياد كان يقود ذلك الجيش الذي تجاوز ثمانين ألف جندي، لما استطاع جيش المختار الذي لم يبلغ عشره أن يتغلب عليه و يهزمه تلك الهزيمة المنكرة.