بازگشت

ادعاء النبوة.. افتراء و كذب علي المختار


و بعد أن استتم للمختار القضاء علي المشاركين بقتل الحسين و أصحابه في الكوفة، و وصل خبر ذلك الي بعض أصحابه في البصرة و كان يقودهم المثني بن مخربة العبدي، دعا المثني الي البيعة للمختار بالبصرة أهلها، الا أن القيادة الزبيرية في البصرة و أعوانها تصدت لهم بشدة و استمالت الي جانبها رؤساء القبائل الذين كانوا يحسبون لكل شي ء حسابه و يميلون مع الكفة التي يظنون أنها ستنتصر في النهاية، اذ لم يبد لهم المختار أنه الذي سينتصر، خصوصا و ان الدولتين المتنافستين الأموية و الزبيرية تحاربانه بنفس الحماس الذي تحاربان به بعضهما البعض.

و قد نشل المثني في محاولاته و استطاع الوصول الي الكوفة في نفر يسير من أصحابه و أخبر المختار عن محاولاته دعوة أهل البصرة اليه و نصرة بعضهم اياه دون أن يكونوا قد استجابوا لتلك الدعوة.

و من الطبيعي أن تتوقف مساعي المختار لاستمالة أهل البصرة و غيرهم اليه ليتسني له الصمود بوجه الدولتين الزبيرية و المروانية اللتين كانتا تبذلان جهودا جبارة للقضاء عليه.

و هنا نثار حملة من الافتراءات الظالمة ضده باعتبار أنه احد مدعي النبوة، و انه قد ذكر ذلك برسالتين أرسل احداهما لمالك بن مسمع و زياد بن عمر - اللذين نصرا المثني - و فيها يقول لهما - علي حد ناقل الرواية: (... أما بعد فاسمعا و أطيعا أوتكما من الدنيا ما شئتما، و أضمن لكما الجنة..) [1] ، و يدل جوابهما الذي ننقله في الهامش أن المختار لم يعرض عليهما شيئا محددا، و لعله كان يعتقد أن من ينصر


قضيته التي كان يعتقد أنها قضية عادلة حقا سينال الجنة دون شك، و هنا نتساءل ما هي الوسائل و الادعاءات التي عمدت اليهما القيادتان الزبيرية و المروانية و غيرهما من القيادات غير الشرعية سوي التلويح بالدنيا و مكاسبها و الآخرة التي ادعوا ضمان الجنة فيها الناس اذا ما أطاعوهم باعتبار أنهم (أولي الأمر) الذين أمر الله باتباعهم و طاعتهم،! مستفيدين بذلك من الأحاديث الموضوعة علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كذبا و زورا.

و لو كان المختار قد نجح حتي النهاية و استولي علي مقدرات المسلمين في كافة أرجاء الوطن الاسلامي أو معظمه و أخضع الناس لقيادته، ألم يكن يجد العديدين ممن يطلبون و يزمرون له باعتبار أن قيادته هي القيادة الشرعية الوحيدة الجديرة بأن تسير وراءها الأمة، مادام قد تغلب و أصبح وجوده أمرا واقعا..؟

و تمضي الرواية لتأكيد ادعاء المدعين حرص المختار علي ادعاء النبوة برسالته التي أرسلها للأحنف و التي جاء فيها بزعمهم: (... أما بعد، فويل أم ربيعة من مضر، فان الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع لهم الصدد، و اني لا أملك ما خط في القدر، و قد بلغني أنكم تسمونني كذابا، و قد كذب الأنبياء من قبلي، و لست بخير من كثير منهم) [2] .

و هنا ينبغي أن لا يغيب عن البال موقف بعض الشعراء المنحازين لدولتي ابن الزبير و ابن مروان، و حرصهم علي تسميته ب (الدجال) اذ لم يجدوا و قد مرغ كرامتهم و كبرياءهم بالوحل غير هم الوصمة يلصقونها به بعد أن أعياهم أمره و كاد أن يفضحهم بين جماهير المسلمين و يكشف أساليبهم الملتوية لنبل السلطة و الاستحواذ علي مقدرات المسلمين.


ان أبيات من الشعر يقولها أحد الشعراء الموالين لدولة الزبيريين أو المروانيين ليست حجة يتخذها مدعوا البحث و الدراسة للنيل من عدوهم المختار الذي بدا أنه كان يسعي لهدف واحد و هو الاطاحة بدولتي الظلم المذكورتين و الثأر للحسين عليه السلام و التمهيد لحكومة آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم من ولد الحسين.


پاورقي

[1] و هي رواية وردت عن طريق رجلين من أهل البصرة لم يکونا من أصحاب المختار أو ممن يواليه أو يميل اليه و قد ورد فيها أيضا ان مالک قال لزياد (.. يا أباالغيرة، قد أکثر لنا أبواسحق اعطاءنا الدنيا و الآخرة، فقال زيا لمالک مازحا، أما أنا فلا أقاتل نسيتة، من أعطانا الدارهم قاتلنا معه) الطبري 368 / 3 و هو جواب لا نستدل مه ان المختار حاول رشوتهما، کما نلمس منه الميل العام للقتال تحت راية من يدفع أکثر من غيره.

[2] الطبري 468 / 3 و قد ورد نص آخر للرسالة نفسها جاء فيه (... فان الأحنف مورد قومه سقر. حيث لا يقدرون علي الصدر، و اني لا أملک ما خط في القدر، و قد بلغني انکم تکذبوني، و ان کذبت فقد کذب رسل من قبلي، و لست أنا خيرا منهم). المصدر السابق 479 / 3 و قد ورد ان هذا الرسالة المفتعلة قد أبرزها الأحنف بعد ان غير من قبل أحد الشعراء الکوفيين الذي ذم بقصيدته أهل البصرة و ذکرهم بهزعيتهم يوم الجمل، مما أثار حفيظته و أمر بابراز تلک الرسالة المفتعلة، التي يطبل و يزمر لها من يريد النيل من المختار، و يدلنا الاختلاف في النصفين ان الرسالة لم تکن مکتوبة و انها قد لفقت علي المختار.