بازگشت

صيغة أمان تحتمل التأويل


و قد كان تلميح المختار الواضح الي عزمه علي قتل ابن سعد هو الذي جعله يسعي لأخذ الأمان منه..

فقد حدث المختار جلساءه ذات يوم قائلا: (لأقتلن غدا رجلا عظيم المقدمين، غائر العينين، مشرف الحاجبين، يسر مقتله المؤمنين و الملائكة المقربين) [1] و هي اشارة واضحة لابن سعد، ما كانت تخفي عن جلسائه، الذين سارع أحدهم باخبار ابن سعد حول نيته الواضحة تلك.

و هكذا سارع ابن سعد للاحتماء بعبدالله بن جعدة بن هبيرة و حثه علي أخذ الأمان له من المختار الذي ما كانت لتفوقة مساعي ابن سعد و احتمال محاولاته حماية نفسه بمثل هذا الأمان، و كان يتوقع سعيه هذا فكتب صيغة تحتمل تأويلا آخر لمعناها الظاهري اذ أنه نوي حقا الايقاع به و قتله في الوقت المناسب.


و كانت صيغة الأمان الذي كتبه المختار لابن سعد: (هذا أمان المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص، انك آمن بأمان الله علي نفسك و مالك و أهل بيتك و ولدك، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت و أطعت و لزمت رحلك و أهلك و مصرك.

فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله شيعة آل محمد و من غيرهم من الناس فلا يعرض له الا بخير

و جعل المختار علي نفسه عهد الله و ميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان. الا أن يحدث حدثا..) [2] .

و قد ورد قول مهم نسب للامام محمد بن علي عليه السلام يشير الي قصد المختار بقوله: (الا أن يحدث حدثا، فانه كان يريد به اذا دخل الخلاء فأحدث) [3] .

و لا نعتقد، من اطلاعنا علي سيرة المختار، أنه كان يقصد بالحدث، الخروج عليه، بل نرجح هذا الأمر الثاني، لأنه كان منذ بداية أمره يكن كرها شديدا لقتلة الحسين عليه السلام و يري قتالهم و القضاء عليهم كما رأينا بوضوح عند استعراض حركته، و لعل توريته ب (الحدث) الدخول الي بيت الخلاء، يؤكد استهانته بشخصيتة ابن سعد المهزوزة، و عدم اكتراثه به، و قد تركه الي النهاية، لاعتقاده أنه لن يجرؤ علي الهرب، و سيقنع نفسه بصيغة الأمان التي تحتمل التأويل [4] .



پاورقي

[1] الطبري 464 / 3 و البحار / 378 - 377 /45.

[2] الطبري 364 / 3 و البحار 378 / 45.

[3] الطبري 364 / 3 و البحار 378 / 45.

[4] و قد ورد خبر آخر، مفاده: ان الذي جعل المختار يقدم علي قتل ابن‏ سعد، ان أحد أهل الکوفة التقوا بمحمد بن الحنفية، (فجري الحديث، الي أن تذکروا المختار و خروجه، و ما يدعو اليه من الطلب بدماء أهل البيت. فقال محمد بن الحنفية: علي أهون رسله، يزعم أنه لنا شيعة، و قتلة الحسين جلساؤه علي الکراسي يحدثونه...) الطبري 465 / 3. و قد أخبر الرجل المختار بذلک، فعمد الي قتل عمر بن سعد و ابنه، و بعث برأسيهما الي ابن‏الحنفية، و کتب اليه رسالة ورد فيها: (فان الله بعثني نقمة علي أعدائکم، فهم بين قتيل و أسير، و طريد و شديد، فالحمد لله الذي قتل قاتليکم، و نصر مؤازريکم، و قد بعثت اليک برأس عمر بن سعد و ابنه، و قد قتلنا من شرک في دم الحسين و أهل بيته - رحمة الله عليهم - کل من قدرنا عليه، و لن يعجز الله من بقي. و لست بمنجم عنهم حتي لا يبلغني ان علي أديم الأرض منهم أديما) الطبري 465 / 3.