بازگشت

اسلوب خطابي مؤثر يخيف الأعداء


و لو أخذنا أقواله كأسلوب من أساليب الخطابة غير المألوفة لا غير و جردناه مما أراد البعض الصاقه به، لرأينا أنه نوع من الخطاب ركز عليه المختار بعد أن رأي نجاحه و تأثيره علي بعض الناس، و انه لا يشير الي أنه يري أمورا غيبية ستحدث بقدر ما كان متيقنا أنه سيري هذه الأمور ستحدث لعدالة القضية التي وعد أن يكون في مقدمة السائرين لحملها مهما كان الثمن، حتي و ان كان قتله هو ذلك الثمن.

و هذا نموذج لأقواله أمام جماعة من زائريه في السجن و هو مقيد:

(... أما و رب البحار، و النخيل و الأشجار، و المهامة و القفار، و الملائكة الأبرار و المصطفين الأخيار، لأقتلن كل جبار، بكل لدن خطار و مهند بتار، في جموع من الأنصار، ليسوا بميل أغمار، و لا بعزل أشرار. حتي أذا أقمت عمود


الدين، و رأبت شعب صدع المسلمين، و شفيت غليل صدور المؤمنين، و أدركت بثأر النبيين، و لم يكبر علي زوال الدنيا و لم أحفل بالموت اذا أتي...) [1] .

ان قوله هذا اذا ما جردناه من الموثرات و المحسنات اللفظية و الخطابية لا يتعدي هذه الكلمات: (و الله لأقتلن كل جبار بكل رمح و سيف، حتي اذا فعلت ذلك و أدركت بالثأر هان علي الموت...)، أو من قبيل هذا المعني.

غير أنه اذا ما بأسلوب عادي، فانه ربما لن يستطيع أن يجعلها ذات وقع قوي في نفوس السامعين، و هو صاحب قضية يريد اللجوء الي كل الأساليب لتحشيدها في معركته... و كما أنه يسعي للجوء الي السيف و يريد لضرباته أن تكون قوية موثرة فانه يلجأ الي القلم و الكلمة و الأساليب الخطابية الموثرة التي كان يري و قعها الأكيد علي الناس.

و يهمنا أن نشير هنا الي أن سليمان كان يدرك أن المختار لم يكن السبب في تثبيط الناس عنه، فهما يسعيان لقضية واحدة غير أن أسلوبيهما كانا مختلفين، و قد جعله ذلك يقول لمن زعم له ذلك: (وهب أن ذلك كان، فأقام عنا عشرة آلاف...) [2] و كان يشير الي من بايعوه ثم نكصوا عنه، و يجعل قيام المختار بتخذيل الناس مجرد فرض... مع أن أعداءهما أرادا جعل ذلك حقيقة من الحقائق.


پاورقي

[1] الطبري 406 / 3.

[2] المصدر السابق 409 / 3.