بازگشت

معرفة النوايا


و قد أراد المختار معرفة نوايا ابن الزبير عند مقدمه مكة (فكتم عنه ابن الزبير أمره ففارقه و غاب عنه سنة) [1] و قد زعم بعض أهل الطائف أنه قدم عليهم هناك، و أنه أعلن


عن نواياه الحقيقية رغم أن حكومة يزيد لا تزال قائمة و كانت تبدو في أوج قوتها، و أنه قال انه (صاحب الغضب و مبير الجبارين) [2] ، و قد أزعج ذلك ابن الزبير، فقال لمن حدثه عن ذلك: (قاتله الله، لقد انبعث كذابا متكهنا. ان الله ان يهلك الجبارين، يكن المختار أحدهم) [3] . و لابد أن ابن الزبير كان يتابع حركات المختار و أقواله لمعرفة نواياه و لابد أنه كان يحسب له حسابا كبيرا بل و يخشاه [4] .

و قد مقدمه الثاني الي مكة لم يأت ابن الزبير رغم أنه طاف بالبيت أسبوعا و صلي عند الحجر و استقبل جماعة من أهل الطائف و غيرهم من أهل الحجاز، و قد استبطأ ابن الزبير قيامه اليه و أرسل أحد أصحابه لاستطلاع الأمر.

و قد حاول هذا - و هو عباس بن سهل بن سعد - أن يستميل المختار الي جانب ابن الزبير قائلا له: (مثلك يغيب عن مثل ما قد اجتمع عليه أهل الشرف و بيوتات العرب من قريش و الأنصار و ثقيف! لم يبق أهل بيت و لا قبيلة الا و قد جاء زعيمهم و عميدهم فبايع هذا الرجل. فعجبا لك و لرأيك ألا تكون أتيته فبايعته، و أخذت بخطك من هذا الأمر.

فقال لي: و ما رأيتني؟ أتيته العام الماضي، فأشرت عليه بالرأي، فطوي أمره دوني، و اني لما رأيته استغني عني أحببت أن أريه أني مستغن عنه. انه و الله لهو أحوج الي مني اليه.

فقلت له: انك كلمته بالذي كلمته و هو ظاهر في المسجد، و هذا الكلام لا


ينبغي أن يكون الا و الستور دونه مرضاة و الأبواب دونه مغلقة. القه الليله ان شئت و أنا معك...

فقال لي: فاني فاعل صلينا العتمة أتيناه، و اتحدنا الحجر) [5] .

و قد سر ابن الزبير بذلك و قابله و أخذ بيده فصافحه و رحب به فسأله عن حاله و أهل بيته، ثم قال له المختار بعد فترة صمت ليست طويلة و بعد أن حمد الله و أثني عليه: (.. انه لا خير في الاكثار من المنطق و لا في التقصير عن الحاجة. اني قد جئتك لأبايعك علي ألا تقضي الأمور دوني، و علي أن أكون في أول من تأذن له، و اذا ظهرت استعنت بي علي أفضل عملك.

فقال له ابن الزبير: أبايعك علي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم،

فقال: و شر غلماني أنت مبايعه علي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، ما لي في هذا الأمر من الحظ ما ليس لأقصي الخلق منك، لا و الله لا أبايعك أبدا الا علي هذه الخصال.

قال عباس بن سهل: فالتقمت أذن ابن الزبير فقلت له: اشتر منه دينه حتي تري من رأيك.

فقال له ابن الزبير: فان لك ما سألته، فبسط يده فبايعه، و مكث معه حتي شاهد الحصار الأول) [6] .


پاورقي

[1] ابن‏الأثير 493 / 3 و روي عباس بن سهل بن سعد قال: (قدم المختار علينا مکة، فجاء الي عبدالله بن الزبير و أنا جالس عنده فسلم عليه، فرد عليه ابن‏ الزبير و رحب به و أوسع له، ثم قال: حدثني عن حال الناس بالکوفة يا أبااسحق. قال: هم لسلطانهم في العلانية أولياء، و في السر أعداء. فقال له ابن‏ الزبير: هذه صفه عبيدالسوء، اذا رأوا أربابه خدموهم و أطاعوهم فاذا غابوا عنهم شتموهم و لعنوهم. فجلس معنا ساعة، ثم أنه قال الي ابن‏ الزبير کأنه يساره، فقال له: ما تتنظر أبسط يدک أبايعک، و أعطنا ما يرضينا. و ثب علي الحجاز فأن أهل الحجاز کلهم معک. فقام المختار فخرج فلم ير حولا) الطبري 402 / 3 و مقولة ابن‏ الزبير عن أهل الکوفة مأخوذة عن مقولة أميرالمؤمنين في أحدي خطبه التي حذرهم فيها ظلم معاوية و بني‏أمية و قد تطرفنا اليها عند الحديث عن مجتمع الکوفة، و اذا ما صحت هذه الرايد فربما کان المختار يريد أن يکشف أمر ابن‏ الزبير، و ربما أراد أن يضرب به يزيد فيکونا الخاسرين الوحيدين، و من مجمل الأحداث نري ان ابن‏ الزبير کان متلهفا علي انضمام المختار اليه و لم يحاربه الا بعد أن حسب نفسه قويا و بعد ان کشف المختار عن أهدافه الحقيقية.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] عن أبي‏معشر قال: (لما بعث مصعب برأس المختار الي عبدالله بن الزبير فوضع بين يديه، قال: ما من شي‏ء حدثنيه کعب الأحبار الا قد رأيته، غير هذا، فانه قال لي: يقتلک شاب من ثقيف فأراني قد قتلته) العقد الفريد 154 / 5 أو لم يعلم أنه سيقتل بيد الحجاج أو علي حد تعبير محمد بن سيرين لما بلغه الحديث (لم يعلم ابن‏ الزبير ان أبامحمد قد خبي ء له) المصدر السابق و يبدو اهتمام ابن‏ الزبير بأقوال و تکهنات کعب الأحبار و أمثاله واضحا....

[5] الطبري 403 / 3 و ابن‏الأثير 494 - 493 / 3.

[6] الطبري 403 / 3 و ابن‏الأثير 494 / 3.