بازگشت

لم يخب حماس بقيتهم رغم الخسارة الفادحة


كان جذوة الحماس التي أجحمتها ثورة الحسين فيهم و ميتته البطولية في كربلاء جعلتهم ينادون منذ اللحظات الأولي لاستشهاده عليه السلام بالثأر له و قتل عدوه، و كانوا يرون أنهم قادرين علي التصدي لأي قوة مهما بلغت و التغلب عليها، غير أن أوان الجد عندما حان، و لم يسر منهم الا ربع عددهم، عادت الي نفوس الباقين ممن تخلفوا عوامل الخوف و اليأس و اعتقدوا أنهم كانوا يجازفون بحياتهم دون أن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم. مع أنهم لو ساروا جميعا و امتلكوا نفس يقين و عزيمة أخوانهم السائرين لكانوا قوة ضاربة لا تستطيع أية قوة أخري أن تقف بوجهها، و لما استطاع أحد أن يقول انهم كانوا ينتحرون.

لو يرد أولئك الذين ساروا لمواجهة ابن زياد أن يتراجعوا ثانية بعد أن تراجعوا عن الحسين عليه السلام في المرة الأولي. و لم يرغبوا أن يري الناس فيهم كذابين مدعين، و رأوا أن قضيتهم أغلي من أرواحهم، و ان غلت تلك الأرواح و عزت.

لقد سر عبد الملك بن مروان عندما حملت اليه رؤوس سليمان و أصحابه، و يبدو أنه كان يحسب لهم ألف حساب رغم قلتهم و كثرة أعداد جيشه الذي أرسله اليهم بقيادة ابن زياد، و قد بلغت ثلاثين ألفا... و قد رأي أنه قد حقق فتحا في (عين الوردة). جمع الناس و ألقي فيهم خطبة قال فيها: (... ان الله قد أهلك من رؤوس


أهل العراق ملقح فتنة، و رأس ضلالة، سليمان بن صرد، ألا و ان السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف. الا و قد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين خالين، مضلين، عبدالله بن سعد أخا الأزد، و عبدالله بن وال أخا بكر بن وائل، فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع و لا اقناع [1] ثم أمر فعلقت الرؤوس بدمشق [2] .

لم يجد عبدالملك شيئا سيئا يقوله عن هؤلاء، كما قال عن الثائرين عليه فيما بعد بأنهم من الموالي أو العبيد، و هم طبقة استحدثتها الدولة الأموية بنفسها عندما فرقت بينهم و هم مسلمون ينبغي أن يكون لهم ما لبقية المسلمين و عليهم ما عليهم... فأصحاب سليمان كانوا كلهم من قبائل العرب المعروفة، غير أنه أخذ يردد هنا ما اعتاد معاوية أن يردده من قبل ناشرا مذهبه العرب المعروفة، غير أنه أخذ يردد هنا ما اعتاد معاوية أن يردده من قبل ناشرا مذهبه الجديد في القدر. فالله هو الذي أهلك سليمان و أصحابه كما أنه هو الذي مكن لمعاوية و يزيد من قبل و قتل أميرالمؤمنين و الحسين عليهم السلام...! كان الأمويون بذلك يحذورن الناس و يجعلونهم يعتادوا هذا النمط من التفكير المستسلم الراضي بكل شي ء مادامت الدولة تقول بذلك و مادام فقهماؤها و قصاصوها و شعراؤها و محدثوها يقولون بذلك، و هم (من أعدل الناس و أنزه الناس) و من (المشهود لهم بالأمانة و الاخلاص للاسلام).

و كانت حركة سليمان ستعطي أفضل النتائج لو قدر لمن ساندوها منذ البداية أن يسيروا معه الي نهاية الشوط، غير أن الشهادة في سبيل الحق و الاسلام لا تستهوي الجميع و روادها قليلون مادامت الأغلبية لا تمتلك البصيرة التي يمتلكها المتفانون في الله. و مادام رواد الأحزاب المعادية لآل البيت يتغلغلون بين شيتهم و محبيهم و يعملون علي تخذيلهم و اثارة المخاوف في نفوسهم.


پاورقي

[1] الطبري 420 / 3 و ابن‏الأثير 10 / 4 و يحتفظ ابن‏الأثير هنا علي کلمة مروان لأن أباه کان حيا و کان أحري به أن يلقي هو الخطبة. و لا منافاة في ذلک فربما کلف مروان ابنه عبد الملک باستقبال مبعوثي ابن‏ زياد و حملة الرؤوس اليه و القاء تلک الخطبة.

[2] ابن‏کثير 255 - 254 / 8.