بازگشت

الا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل


كانت خطبة سليمان في ذلك الاجتماع و فيما بعد: (أثني علي الله خيرا، و أحمد آلاءه و بلاءه، و أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسوله.

أما بعد، فاني و الله لخائف ألا يكون أخرنا الي هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة، و عظمت فيه الرزية، و شمل فيه الجود أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير.

انا كنا نمد أعناقنا الي قدوم آل نبينا، و نمنيهم النصر، و نحثهم علي القدوم، فلما قدموا دنينا و عجزنا، و ادهنا و تربصنا، و انتظرنا ما يكون حتي قتل فينا ولد نبينا و سلالته و عصارته و بضعة من لحمه و دمه، اذ جعل يستصرخ فلا يصرخ، و يسأل النصف فلا يعطاه، اتخذه الفاسقون غرضا للنبل، و درية للرماح حتي أقصدوه، و عدوا عليه فسلبوه. الا انهضوا فقد سخط ربكم، و لا ترجعوا الي الحلائل و الأبناء حتي يرضي الله. و الله ما أظنه راضيا دون أن تناجزوا من قتله، أو تبيروا.

ألا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل. كونوا كالأولي من بني


اسرائيل اذ قال لهم نبيهم: (انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم) [1] فما فعل القوم؟

جثوا علي الركب و الله، و مدوا الأعناق، و رضوا بالقضاء حتي حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب الا الصبر علي القتل، فكيف بكم لو قد دعيتم الي مثل ما دعي القوم اليه. اشحذوا السيوف، و ركبوا الأسنة (و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل) [2] حتي تدعو حين تدعون تستنفرون) [3] .

ان كلمة هذا الصحابي الشيخ الذي أشرف علي التسعين و دعوته لمناجزة قتلة الحسين أو الموت دون ذلك جديرة بالتأمل. فلقد شخص بدقة حال أهل الكوفة من موالي آل البيت عليهم السلام، عندما تعرضوا لضغوط ابن زياد. فقد وضعوا أنفسهم علي التل و وقفوا يتفرجون علي الموقف و ونوا و عجزوا و ادهنوا و تربصوا و انتظروا ما سوف يحدث. و ما سوف يحدث كان معروفا لديهم بالتأكيد، فهم علي دراية تامة بنزعة قيادة الانحراف و ميلها للبطش و الانتقام و الكيد.

كيف يمكن تبرير موقفهم المتخاذل هذا فيما بعد و كيف سيواجهون ربهم و حسابه، و نبيهم و عتابه..؟ كانت كلمة سليمان مشحونة بالولاء التام لآل البيت و قضيتهم و العداء التام لأعدائهم الذين عاملوا الحسين تلك المعاملة القاسية.

و كان تصميمه علي مواجهة أولئك الأعداء يبدو تاما لا رجعة فيه مهما كانت العواقب و كان الموت أقل الأخطار التي كانوا يخشون مواجهتها، و كان الخطر الحقيقي الذي يخشونه حقا هو مواجهة الحساب العادل علي تخاذلهم و تراجعهم و عدم وقوفهم مع الحسين منذ البداية و الاستشهاد بين يديه أو تحقيق النصر علي عدوه.

كانت وقفة الحسين و أصحابه بوجه آلاف الجند المتحفزين لقتلهم، تشكل ادانة كبيرة لأولئك الذين تخلوا عن نصرته في ذلك الوقف العصيب، فقد رأوا فيها الوقفة التي كان ينبغي أن يقفها كل واحد منهم، و ملأت صدورهم بالخزي علي موقفهم المتخاذل و الندم عليه، و جعلتهم يسعون للشهادة كما سعي اليها أنصار الحسين الذين


لم يتراجعوا رغم صعوبة الموقف و شدته تكفيرا عن تقصيرهم و تخاذلهم و خوفهم من ابن زياد.

و قد أثارت كلمة سليمان عواطف الحب و الولاء لأهل البيت و جعلت الحاضرين يبدون استعدادهم لبذل أرواحهم و أموالهم لنصرة قضية الحسين و معاقبة قاتليه و أعدائه، و قد عين سليمان، عبدالله بن وال التميمي مسؤولا عن الأموال التي يتبرع بها الناس لتجهيز ذوي الخلة و المسكنة من أشياعهم. فكان بذلك يمهد لتحرك حقيقي ضد الدولة لا يقتصر علي اثارة العواطف و ابداء الندم و حسب و انما الأعداء لمعركة مقبلة ربما علي أنها ستكون خاسرة و انه سيكون أول المقتولين فيها، لأن دولة الظلم لم تكن لتتنازل بسهولة أمام أي مناوي ء لها و ستتصدي لها و ستتصدي بعنف و قوة لكل من يريد النيل منها أو الاطاحة بها.


پاورقي

[1] البقرة 54.

[2] الانفال 60.

[3] الطبري 391 / 3 و ابن‏الأثير 488 - 487 / 3.