بازگشت

دولة الظلم فلنشوه صورتهم ماداموا يريدون الاطاحة بنا


(... و الشي ء الذي ليس فيه شك... هو أن الشيعة، بالمعني الدقيق لهذه الكلمة عند الفقهاء و المتكلمين و مؤرخي الفرق، لم توجد في حياة علي، و انما وجدت بعد موته بزمن غير طويل.

و انما كان معني كلمة الشيعة أيام علي هو نفس معناها اللغوي القديم الذي جاء في القرآن في قول الله عزوجل من سورة القصص (و دخل المدينة علي حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي فقضي عليه) [1] و في قول الله عزوجل.. (و ان من شيعته لابراهيم) [2] .

فالشيعة في هاتين الآتين و غيرهما من الآيات معناها الفرقة من الأتباع و الأنصار الذين يوافقون علي الرأي و المنهج و يشاركون فيهما.

فشيعة علي أثناء خلافته هم أصحابه الذين بايعوه واتبعوا رأيه، سواء منهم من قاتل معه و من لم يقاتل. و لم يكن لفظ الشيعة أيام علي مقصورا علي أصحابه وحدهم، و انما كان لمعاوية شيعته أيضا، و هم الذين اتبعوه من أهل الشام و غيرهم من الذين كانوا يرون المطالب بدم عثمان و الحرب في ذلك حتي يقام الحد علي قاتليه...) [3] .

كان وجود أميرالمؤمنين عليه السلام بين أهل الكوفة التي جعلها عاصمة للمسلمين و ايثاره البقاء هناك لتنفيذ برنامجه التربوي الشامل و تشكيل طليعة عقائدية تكون نواة لأمة اسلامية قائمة علي نفس الأسس و القواعد التي وضعها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دعا اليها... و اختيار معظم أفراد الجيش من بينهم و قيامه بهم لحرب معاوية و الأحزاب، قد جعلهم أقرب الناس اليه و أكثرهم تفهما لبرنامجه الاصلاحي الشامل و أكثرهم استعداد للسير و راءه لتنفيذ ذلك البرنامج الكبير الذي يحقق طموح عموم المسلمين و يعيد المياه الي مجاريها و يرفع عن كواهلهم عب ء التفرقة و الطبقية الجديدة و التمييز علي أساس العرق و اللون.


و هذا ما جعل نظام الحكم الأموي بقيادة معاوية يصور أهل العراق و كأنهم نسيج خاص أو كيان خاص يختلف عن بقية المسلمين، و قد جعل هذا النظام من أولياته العمل علي تفتيت أهل الكوفة و زعزعتهم و العمل علي التفريق بينهم و استهدافهم بكل أساليب الشر و الأذي و الأضطهاد، و كان ما كان مما ذكرنا بعضه في هذا الدراسة... و قد رأينا أسباب ذلك و دوافعه..

غير أن المرء يستطيع الرد علي هذا الادعاء الباطل، اذ ما لا حظ عدد الصحابة و التابعين الذين حاربوا مع أميرالمؤمنين، ممن هو ليسوا من أهل الكوفة، و كانوا يعتبرون التفافهم حوله و قومهم بنصرته و القتال بين يديه، نصرا لرسول الله صلي الله عليه و آله؛ فلا فرق في القتال تحت راية محمد صلي الله عليه و آله و سلم أو علي عليه السلام مادام هذا يكمل مسيرة ذاك و يتوخي العدل و الصدق في تعامله و منهجه... (... و معني هذا أن عليا لم تكن له شيعة ممتازة من الأمة قبل الفتنة و لم تكن له شيعة بالمعني الذي يعرفه الفقهاء و المتكلمون أثناء خلافته، و انما كان له أنصار و أتباع، و كانت كثرة المسلمين كلها له أنصارا و أتباعا..) [4] .


پاورقي

[1] القصص 15.

[2] الصافات 83.

[3] الفتنة الکبري - طه حسين 174 - 173 - 2.

[4] المصدر السابق 175 / 2.