بازگشت

بين الذهبي و ابن خلدون... حكايات و أساطير


و الأصح ما قاله الذهبي أن مراوان لا يعد في أمراء المؤمنين، بل هو باغ خارجه علي ابن الزبير، و لا عهده الي ابنه بصحيح، و انما صحت خلافة عبدالملك من حين قتل ابن الزبير، و أما ابن الزبير فانه استمر بمكة خليفة الي أن تغلب عبدالملك فجهز لقتاله الحجاج في أربعين ألفا، فحضره بمكة أشهرا، و رمي عليه بالمنجنيق... فظفر به و قتله و صلبه...) [1] .

و اذا كانت بداية عبدالملك غير مشروعة عندما خرج علي ابن الزبير، فكيف صحت خلافته بعد أن تغلب عليه بعد ذلك...؟ لا شك أن من يقول بذلك يريد أن يقول أيضا: ان الحق مع القوي و ان لا شريعة أو قانون الا شريعة القوة أو قانونها.

و اذ تغلب من تغلب... فلا بأس أن نذهب الي حد تمجيده و تبرئته من العيوب و المساوي ء و تحسين صورته، لأن قانون الغلبة هو السائد و من يحكمون الآن لا يختلفون عمن حكموا من قبل.

يقول ابن خلدون عن مروان و ابنه اللذين عدا باغيين علي ابن الزبير قبيل مقتله، ربما حتي برأي ابن خلدون نفسه، مبررا سعيهما لاستلام الحكم (... و كذلك كان


مروان بن الحكم و ابنه و ان كانوا ملوكا، لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة و البغي انما كانوا متحرين لمقاصد الحق الا في ضرورة تحملهم علي بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد...) [2] ...

و اذا كانت (الضرورات) التي تحمل مروان و ابنه علي انتهاج مذهب أهل البطالة و البغي كثيرة ماداما يريدان توطيد سلطانهما، فلابد أن يقال انهما كانا يخشيان افتراق الكملة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد كما يقول ابن خلدون، و لابد أن تسوي المسألة لمقاصد الحق، و انهم اجتهدوا، فأصاب من أصاب منهم و أخطأ من أخطأ و الجميع في نهاية المطاف مثابون مأجورون، و في جنات النعيم.. أما الملايين من أبناء الأمة الذين كانوا ضحايا مباشرة و غير مباشرة لصراعاتهم و أطماعهم، فلابد أنهم هم الذين سيكون حسابهم عسيرا و سيلقون أشد الجزاء و العقوبات في نار جنهم اذا ما (أخطأوا) أو رفضوا الانصياع للسلطان (العادل المتهد المتحري مقاصد الحق و العدالة)...

فجهنم ليست الا لأمثال هؤلاء...!

أما (أقطاب) الحكم فلا بأس أن يحارب بعضهم بعضا و يبغي بعضهم علي بعض، ماداموا يتحرون مقاصد العدل و الحق، و لابأس أن يسب بعضهم بعضا أو يخطئه أو يكفره أو يشن الحرب عليه.

و يهمنا أن نذكر هنا أن يزيد أصبح لا يذكر بعد موته - حتي من قبل الحكام الأمويين أنفسهم الا بكل سوء، و قد تنكر له من كان يدين له بالولاء بالأمس كمروان و عبدالملك ابنه، و قد عملوا علي فضح أعماله و كأنهم لم يكونوا راضين بل و مشاركين في جرائمه و انحرافاته [3] .



پاورقي

[1] السيوطي / 198- 197.

[2] ابن‏خلدون / المقدمة 228.

[3] مع أن تلک شهادت حق أريد به باطل... و اذ أصبح يزيد حفرته و خبرا من أخبار الماضي فان الطعن عليه من قبل عبدالملک و عبيدالله بن زياد و أمثالهما أصبح وسيلة للتقرب من الناس يريدان بها توطيد سلطانهما... و لسنا بحاجة لذکر دوريهما في قمع ثورة الحسين و أهل المدينة و موالاتهما ليزيد و العمل علي التقرب منه بکل طريقة و لو علي حساب أرواح الناس و مصائرهم، علي أننا لا ننکر أهمية شهادات حقيقية کشهادة عمر بن عبد العزيز بن مروان، و قد أشرنا اليها في کتابنا هذا...