بازگشت

كاد أن يتغلب لو لا مشورة ابن زياد علي مروان


و لا نريد استقصاء قضية ابن الزبير الا الي المدي الذي يفيدنا في هذا البحث، كالحوادث التي رافقت حياته و كان له دور بارز فيها تحتاج الي دراسة واسعة قد يتصدي لها بعض المختصين ليعرضوا علينا دوافع هذا الرجل الطموح الذي سعي لنيل منصب (الخلافة) بجد و مثابرة و عناد و كان سببا لحرف أبيه عن أميرالمؤمنين عليه السلام ثم مقتله فيما بعد، و كان سببا لأكبر انتهاك نال الكعبة علي يد الحكام الأمويين رغم تحذيره من القيام بالقتال هناك. غير أننا لابد أن نشير الي بعض الحوادث التي رافقت خروج ابن الزبير و أهل مكة علي حكومة يزيد و المطالبة لنفسه بالخلافة بعد هلاكه و منها ضرب الكعبة من قبل حصين بن نمير، و موت يزيد و دعوة حصين اياه للذهاب معه الي الشام و اعلان نفسه خليفة هناك، و عزم مروان و وجوه بني أمية علي مبايعته، و هروب عبيدالله بن زياد من البصرة الي الشام و تحريضه مروان الي المطالبة بالخلافة لنفسه بعد أن كاد يستسلم لابن الزبير الذي بويع بالخلافة في معظم الحواضر الاسلامية المهمة، ثم استتاب الأمر في النهاية لعبد الملك بعد موت مروان و القضاء علي منافسيه في الشام و العراق.. ثم القضاء علي ابن الربير و ضرب الكعبة ثانية بشكل أشد علي يد الحجاج بن يوسف الثقفي.

علي أن ما يلفت نظرنا في كل تلك الوقائع، أن الحروب المعلنة بين الفرق المتصارعة لم تعد ترفع فيها الشعارات الاسلامية البراقة التي كانت ترفعها في السابق في محاولة لايهام الأمة أن هدفها الكبير هو حماية الاسلام و تأمين وحدة المسلمين، كما فعل ذلك معاوية و جماعة من الطامحين للحكم، فلم تعد المسألة تعرض الآن كمسألة اسلامية و خلافة اسلامية بقدر ما أصبحت قضية ملك عقيم لا يريد أحد أن


يتنازل عن للآخرين... و أصبح هم المتكلمين عن الشرعية أن يبينوا (شرعية) حكم من بويع أولا، و عدم شرعية منافسيه لأنهم لم يسبقوه الي ذلك و شرعية حكمهم بعد أن مات هذا، و أصبحنا نسمع أقوالا و فلسفات غريبة طلع بها علينا أناس مرموقون من السلف الصالح الذي ظل يحظي بمكانة مرموقة لدي أجيال عديدة من المسلمين الي يومنا هذا.

يقول السيوطي في (تاريخ الخلفاء)، عند استعراض أمر ابن الزبير:

(... و كان ممن أبي البيعة ليزيد بن معاوية، و فر الي مكة، و لم يدع الي نفسه، لكن لم يبايع، فلما مات يزيد بويع له بالخلافة و أطاعه أهل الحجاز و اليمن و العراق و خراسان... و لم يبق خارجا الا الشام و مصر، فانه بويع بهما معاوية بن يزيد، فلم تطل مدته، فلما مات أطاع اهلهما ابن الزبير و بايعوه، ثم خرج مروان بن الحكم فغلب علي الشام ثم مصر، و استمر الي أن مات سنة خمس و ستين، و قد عهد الي ابنه عبدالملك.