بازگشت

ابن الزبير: تكلف في العباس لكسب الناس


و مهما يتحدث نقلة الأخبار و المؤرخون عن صفاته الحسنة، فانك تلمح تكلفا من جانبه لعرض مثل هذه الصفات علي الناس، فبها يستطيع استمالتهم بعد أن لم يجدوها في قادة الدولة و رعاة الناس و ساستهم.

ترك يزيد الصلاة و شرب الخمر و تمادي في الاستهانة بالحرمات و الحدود، و أبرز ابن الزبير نفسه كأكبر حريص علي اقامة الشعائر التعبدية الظاهرية بشكل لا يقدر عليه كل انسان.. (قال عمرو بن دينار: ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن الزبير، و كان يصلي في الحجر - و المنجنيق يصيب طرف ثوبه - فما يلتفت اليه.

و قال مجاهد: ما كان باب من العبادة يحجز الناس عنه الا تكلفة ابن الزبير، و لقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة.. و كان صواما قواما، طويل الصلاة و صولا للرحم عظيم الشجاعة، قسم الدهر ثلاث ليال: ليلة يصلي قائما حتي الصباح، و ليلة راكعا، و ليلة ساجدا حتي الصباح...) [1] .

و لعله أرد بهذا التكلف الذي ألزم به نفسه أن يظهر كبديل مقبول لآل البيت عليه السلام الذين اشتهروا بالعبادة و العلم، لم يتكلفوا بذلك و لم يتظاهروا به، و كان


سلوكهم أصيلا منسجما مع استجابتهم للاسلام و فهمهم له... اضافة لما أراد ابرازه من تناقض بين اداءاته العبادية الطقوسية التي تستغرق وقتا طويلا منه و الاداءات العبادية الطقوسية للحكام التي بلغت الحضيض و لم يعودوا يكلفوا أنفسهم مشقة التظاهر بها أمام المسلمين.

و قيل انه (أول من كسا الكعبة الديباج، و كان كسوتها المسوح و الأنطاع) [2] فهل كانت تغيب عن ذاكرته تحذير الحسين عليه السلام له أن لا يكون سببا لانتهاك حرمتها، و قيامه بتركها و قد رفض أن تكون درعا له، و قوله له: انه يحب أن يقتل خارجا عنها، لأنه حدث أن كبشا سيقتل بها و لا يحب أن يكون ذلك الكبش؟

و ما قيمة أن يكسوها بالديباج أو أن يوسع بناءها و قد جعلها هدفا من أهداف العدو المرصودة بالشر و العدوان، و كان السبب أن يقدم أعداء الاسلام علي ضربها و حرقها كلما أرادوا ذلك؟

هل ان الديباج الذي كسا به الكعبة يزيل المرارة من نفوس المسلمين و هم يرون بيت الله العتيق ينتهك بتلك الطريقة الفظة الغليظة المستهينة التي لا تقيم أي وزن للحرمات و المقدسات.؟

أقدم كثيرون علي كسوة الكعبة الشريفة بالديباج و بأرقي أنواع الأقمشة، قام بذلك عبدالملك بن مروان و ملوك أمية من ولده و ملوك بين العباس، فهل كانت تلك مآثر تذكر لهم، و قد انتهكوا الاسلام و حرمة المسلمين.؟


پاورقي

[1] السيوطي / تاريخ الخلفاء 198 - 197.

[2] المصدر السابق 198 و ذهب آخرون - کالوا قدي - الي نسبة قول للباقر عليه ‏السلام ان أول من کسا الکعبة الديباج يزيد بن معاوية، و هو أمر لا يشرفه حتي و لو کان قد قام به فعلا، فما أهمية ذلک و هو قد أقدم علي انتهاک حرمتها و قد ضربها بالاحجار و أحرق أستارها...؟ و قيل ان أول من کساها بالديباج عبدالملک بن مروان المصدر السابق 204.