بازگشت

ابن الزبير: أموي من لون آخر


و اذ أن ابن الزبير لم يستطيع ابداء رأيه الصريح و هو غير مستعد لمواجهتم اذا ما قاتلوه، فانه حاول ماداراتهم و أجابهم أجوبة فضفاضة و دعاهم لملاقته عشاء و ليفصل لهم رأيه في كل ما طرحوه من أمور و آراء، و عندما حضروا في الوعد المحدد خرج اليهم و قد لبس سلاحه مما لفت نظر نجدة الذي قال لأصحابه: (هذا خروج منابذ لكم) [1] ، و حاول في هذه المقابلة الثانية تبرير أعمال عثمان و بدا أنه كان متحيزا له بشكل واضح، و أشاد بأبيه و طلحة و عائشة و بعد هلاك يزيد قال له نافع بن الأزرق: (يا بن الزبير، اتق الله ربك، و ابغض الخائن المستأثر - يريد بذلك عثمان - و عاد أول من سن الضلالة، و أحدث الأحداث و خالف حكم الكتاب، فانك ان تفعل ذلك ترض ربك، و تنج العذاب الأليم نفسك و ان تركت ذلك فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم، و اذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم و عرضوا عليه (نافع و أصحابه) رأيهم في عثمان قائلين: (ثم ان الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمي الأحما و آثر القربي، و استعمل الفتن و رفع الدره، و وضع السوط و مزق الكتاب و حقر المسلم و ضرب منكري الجود، و آوي طريد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ضرب الاسبقين بالفضل، و سيرهم و حرمهم، ثم أخذ في ء الله الذي أفاءه عليهم فقسمه بين فساق قريش، و مجان العرب، فسارت اليه طائفة من المسلمين أذ الله ميثاقهم علي طاعته. لا يبالون في الله لومة لائم، فقتلوه، فنحن الهم أولياء، و من ابن عفان و أوليائه براء. فما تقول أنت يا ابن الزبير؟ و قد رد عليهم ابن الزبير قائلا (و قد فهمت الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة الله عليه، و اني لا أعلم مكان أحد من خلق أعلم بابن عفان و امره مني. كنت معه حيث نقم القوم عليه، و استعتبوه، فلم يدع شيئا استعتبه القوم فيه الا أعتبهم منه. ثم أنهم رجعوا اليه بكتاب له يزعمون انه كتبه فيهم، يأمر فيه بقتلهم فقال لهم: ما كتبته، فأن شئتم فعاتوا بينتكم، فان لم تكن حلفت لكم، فو الله ما جاؤوه ببينة، و لا استحلفوه، و وثبوا عليه فقتله. و قد سمعت ما عتبه به، فليس كذلك، بل هو لكل خير أهل، و ان أشهدكم و من حضر أني ولي لابن عفان في الدنيا و الآخرة، و ولي أوليائه و عدو أعدائه. قالوا: فبري ء الله منك يا عدو الله. قال: فبري ء الله منكم يا أعداء الله..) الطبري 398 / 3 و ابن الأثير 190 / 3.


و لعله ما كان بامكاني أي أموي الدفاع عن عثمان بأفضل ما دافع عنه ابن الزبير، و اذ أنه كان علي الخط المعادي لأهل البيت منذ البداية و من المناوئين لهم، فانه اعتقد أنه يستطيع استقطاب بقية السائرين علي هذا الخط و استمالتهم، و هم شرائح كبيرة أعدها معاوية و رباها و ضللها في حملة دؤوبة مدروسة طوال حوالي ربع قرن؛ و بالفعل كان معظم هؤلاء أميل اليه بعد هلاك يزيد، و كاد الأمر أن يستتب له لو لا أن تغلب مروان و ولده عبدالملك عليه في النهاية.

و كان ابن الزبير بعثمانيته يصنع القواعد و يمد الجسور بينه و بين كل (العثمانيين) بما فيهم الموالين للخط الأموي برمته؛ فعندما سيصير خليفة، و هو قد دعا الي نفسه فعلا، فان الأوضاع لن تتغير و ان الموالين للخط الأموي سيظلون في مراكزهم و لن تتأثر مكاسبهم أو امتيازاتهم التي تحققت في ظل النظام السابق، و كل ما في الأمر أنهم سيعيشون في ظل حاكم (عثماني)، أموي بعد أن كانوا يعيشون في ظل حاكم أموي (عثماني)، كانت الأموية، و ستعود العثمانية، و منبعهما واحد و توجههما واحد، و ان كانت الأموية أقل حياء و أكثر تجاهرا بالمنكر و جرأة علي ارتكابه، و هكذا وجدنا ترحيبا بابن الزبير لدي أوساط الأمويين و في مقدمتهم حصين بن نمير، قائد جيشهم في منكة، حال هلاك يزيد، و كان مروان و كبار آل أمية يبايعونه لو لا قدوم عبيدالله بن زياد و تحريضه مروان علي طلب الأمر لنفسه.


پاورقي

[1] المصدر السابق.