بازگشت

قضية أموية و شعارات علوية


و مهما تكن طموحاته و تطلعاته الشخصية، فان ابن الزبير قد دفع الشعارات التي من شأنها أن تدعم موقفه و تقويه أمام الأمة، و تبني في البداية - و لكن بأسلوب مراوغ ملتو - نفس القضية التي دفعها الامام الحسين [1] ، وان كان قد تم ذلك بدوافع مغايرة


لدوافع الامام عليه السلام، و كانت قضية انحراف الدلة التي كان ينبغي أن تكون دولة اسلامية حقا، و استخلاف يزيد، هو ما طرحه داعيا الي ايقاف ذلك كله، و العودة الي بعض الصيغ التي اتبعت في عهود بعض الخلفاء السابقين، و هي صيغ لم تكن تحظي بقبول و ترحيب جميع المسلمين و كانت لها ملابساتها الخاصة، و كان معوية يري معها أنه يستطيع أن (يجتهد) بدوره و يخرج علي المسلمين بصيغة مبتدعة جديدة، مادام الآخرون قد (اجتهدوا)، و هكذا خرج بمقولته الشهيرة: (انه لم يبق الا ابني و أبناؤهم و ابني أفضل من أبنائهم) (و ابني أحق) و كان يعرض بذلك بأبناء بعض الخلفاء و الصحابة المشهورين، و عرض المسألة علي أنها مسألة منافسة علي السلطة لا غير، رأي أن الغلبة لابد أن تكون فيها لابنه خصوصا و أنه هو - معاوية - يتربع علي سدة الحكم بعد معارك طاحنة، حسب أنه قد انتصر فيها بدهائه و ذكائه

و قد رأينا ملابسات استخلاف يزيد و دعوة معاوية لذلك و بذله جهودا كبيرة طوال عدة سنوات، نجح بعدها في تهيئة الجولة و ترويض الأمة المسلمة المستضعفة لقبول ذلك، بعد أن أسكت الأصوات المعارضة و جعلها ترضخ لما قرره و رآه [2] .

و قد رأينا كيف امتنع الحسين عليه السلام عن مبايعة يزيد بعد هلاك معاوية و كيف خرج الي مكة متنكبا الطريق الأعظم. أما ابن الزبير فقد خرج بدوره من المدينة بعد مطالبته بالبيعة من قبل وكيل يزيد علي المدينة سالكا طريقا جانبية لتفادي الصدام مع أعوان السلطة.



پاورقي

[1] فقد روي أنه حاول التحدث باسم نخبة من الشخصيات التي طلب منها معاوية مبايعة يزيد، فقال لمعاوية: (نخيرک بين احدي ثلاث، أيها أخذت فهي لک رغبة و فيها خيار: ان شئت فاصنع فينا ما صنعه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قبضه الله و لم يستخلف![أحدا، فرأي المسلمون أن يستخلفوا أبابکر] ، فدع هذا الأمر حتي يختار الناس لأنفسهم، و ان شئت فما صنع أبوبکر، عهد الي رجل من قاصية قريش و ترک من ولده و من رهطه الادنين من کان لها أهلا، و ان شئت فما صنع عمر، صيرها الي ستة نفر من قريش يختارون رجلا منهم و ترک ولده و أهل بيته، و فيهم من لو وليها لکان لها أهلا.) مروج الذهب 121-120 / 5 و ابن‏الأثير 354 / 3.

و لا شک أن معاوية کان يعلم ما في هذا الکلام من المغالطات و الأکاذيب التي لم تکن سوي مناورة لجأ اليها ابن‏ الزبير مع مناورات أخري منها قوله لمعاوية: (ان کنت قد مللت الامارة فاعتزلها، و هلم ابنک فلنبايعه، أرأيت اذا بايعنا ابنک معک لأيکما نسمع و نطيع؟ لا تجتمع البيعة لکما أبدا) تاريخ الخلفاء 184 کما کان معاوية يعرف حقيقة دوافعه و حرصه علي أن يؤول الأمر اليه، و العديد من جوانب أخلاقه و منها بخله و حرصه رغم محاولاته التطاهر بالزهد و الورع و کثرة العبادة و هذا أوصي ابنه يزيد بالحذر من ابن‏ الزبير و الايقاع به و قتله اذا استطاع ذلک، و قال في وصيته: (.. فأما الذي يجثم لک جثوم الأسد و يراوغک مراوغة الثعلب فاذا امکنته فرصة و ثب فذاک ابن‏ الزبير فان فعلها بک فظفرت به فقطعه اربا اربا....) ابن‏الأثير 369 / 3 و قال لابن‏ الزبير: (انما أنت ثعلب رواغ کلما خرج من جحر دخل في جحر...) السيوطي 185.

[2] فقد روي أنه جمع ابن‏ الزبير و ابن‏عمر و ابن‏أبي‏بکر في مجلس عام و وضع علي رؤوسهم حراسا مسلحين أمرهم بقتلهم اذا ما عارضوا کلامه، ثم صعد المنبر و ألقي خطبة جاء فيها: (انا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، زعموا ان ابن‏عمرو و ابن‏أبي‏بکر و ابن‏ الزبير لن يبعايعوا يزيد، و قد سمعوا و أطاعو و بايعوا له، فقال أهل الشام: و الله لا نرضي حتي يبايعوا له علي رؤوس الأشهاد، و الا ضربنا أعناقهم، فقال: سبحان الله، ما اسرع الناس الي قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منکم بعد اليوم، ثم نزل. فقال الناس: بايع ابن عمرو و ابن أبي‏بکر و ابن‏ الزبير، و هم يقولون: لا و الله ما بايعنا فيقول الناس بلي و ارتحل معاوية فلحق بالشام) السيوطي 184 و واضح من هذه الرواية ان الحسين عليه ‏السلام لم يکن معهم کما حاول البعض ادعاء ذلک. کما ان سکوتهم - حذر الموت - و الذي دفع المسلمين لمبايعة يزيد يدل علي عدم توجههم الصادق لنصرة الاسلام و الا لستمروا علي موقفهم السابق مهما کانت العواقب. و قد دلت الأحداث اللاحقة علي تخاذل ابن‏عمرو و استسلامه و سعي ابن‏ الزبير للدعوة الي نفسه و عدم مبدئيته و صدقه في العديد من الأمور و المواقف.