بازگشت

لابد من النظر قبل النقد


علي أن آخرين ممن ينظرون الي الأمور بمعزل من مسبباتها و نتائجها الطبيعية و ينصبون من أنفسهم حكاما و نقادا علي أعمال الناس دون وعي أو معرفة أو كتاب مبين، أدلوا بدلوهم في هذا المضمار أيضا، فقد (لقي عباد البصري علي بن الحسين في طريق مكة، فقال له: يا علي بن الحسين، تركت الجهاد و صعوبته و أقبلت علي الحج و لينه و ان الله عزوجل يقول: ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن


لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون. الي قوله و بشر المؤمنين، فقال علي بن الحسين: اذا رأينا هولاء الذين هذه صفتهم فالجهاد أفضل من الحج) [1] .

فلم تكمن حول الامام طليعة عقائدية واعية ثابتة مدركة ذات امتداد و تأثير واسعين، و كانت المدينة معرضة لأن تدمر و تستباح لأنها خرجت عن طاعة يزيد و أمره، لقد كشفت واقعة الطف نواياه الحقيقية و لم يستسلم الحسين عليه السلام له لأنه أدرك أنه يريد منه استسلام العبيد و ولاء العبيد و نوم العبيد، لم يطلب منه أن يستسلم و يضع يده في يده لنصرة الاسلام و عزة و اعلاء شأنه، و هكذا صرح الآن بما لم يصرح به من قبل: أراد الناس أن يبايعوه علي أنهم خول له و عبيد، فلم يجد ما يدعوه للتكتم علي نواياه بعد أن وجد نفسه قويا بمواجهة الأمة المظلومة المستضعفة. فهل يواجه هذا الحاكم بالطريقة التي واجهه فيها اهل المدينة؟ أم أن لذلك أسلوبا آخر ينسجم مع ذلك الظرف الدقيق الذي كانت تمر به الأمة...؟ أسلوب يبتعد عن المواجهة المسلحة، لأن العدو هو الذي كان يريد تلك المواجهة و يسعي لها لأنه أحكم قبضته و أكمل استحكاماته.

و الي هذا الأسلوب البعيد عن المواجهة المسلحة و الصراع السياسي المكشوف لجأ الامام زين العابدين، و هو ما أشرنا اليه في هذا الفصل.



پاورقي

[1] سير الأئمة عليه ‏السلام السيد محسن الأمين 207 / 3 عن المناقب لابن‏شهر اشوب و الاحتجاج للطبرسي. و تمام الآية (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الانجيل و القرآن و من أوفي يعهده من الله فاستبشروا ببيعکم الذي بايعتم به و ذلک هو الفوز العظيم) التوبه 111.