بازگشت

فضل مروان


غير أن رواية أخري أرادت أن تنسب لمروان فضلا و حرصا علي رد الجميل لزين العابدين عليه السلام، و أرادت بنفس الوقت أن تظهره بمظهر الخائف الذي ترعد كفاه من الرعب، و بمظهر الموالي للدولة الممالي ء لها ضد أعدائها و الذي كاتب يزيد في السر لكي يحافظ علي حياته و لا نعتقد أن هذه الرواية تنسجم مع الموقف العالم لزين العابدين عليه السلام الذي يتقاطع بشكل تام مع مواقف يزيد و أعوانه.

قال لنا عبد الملك بن نوفل بن مساحق.: (ثم ان مروان أتي بعلي بن الحسين، و قد كان علي بن الحسين، حين أخرجت بنوأمية منح ثقل مروان و امرأته و آواها، ثم خرجت الي الطائف، فهي أم أبان ابنة عثمان بن عفان، فبعث ابنه عبدالله معها [1] ، فشكر ذلك له مروان، و أقبل علي بن الحسين يمشي بين مروان و عبد الملك يلتمس بهما عند مسلم الأمان، فجاء حتي جلس عنده بينهما، فدعا مروان بشراب ليتحرم بذلك من مسلم، فأتي له بشراب [2] ، فشرب منه مروان شيئا يسيرا، ثم ناوله عليا، فلما وقع في يده قال له مسلم: لا تشرب من شرابنا، فأرعدت كفه و لم يأمنه علي نفسه، و أمسك القدح بكفه لا يشربه و لا يضعه.

فقال: انما جئت بين هؤلاء لتأمن عندي، و الله لو كان الأمر اليهما لقتلتك، و لكن أميرالمؤمنين أوصاني بك، و أخبرني أنك كاتبته، فذلك نافعك عندي، فان شئت فاشرب شرابك الذي في يدك، و ان شئت دعونا بغيره.

فقال: هذه التي في كفي أريد. قال: اشربها، ثم قال: الي هاهنا، فأجلسه معه...) [3] .

لا شك أن علي بن الحسين قد أحضر أمام ابن عقبة، و أن هذا كان حاقدا عليه، و ربما اعتقد يزيد أن لا خطر منه علي دولته بعد أن قتل أبيه تلك القتلة الفظيعة، خصوصا و أنه لم يقم بنشاط سياسي ظاهر مناهض لدولته فأوصي ابن عقبة بعدم قتله و قد استجاب هذا لأوامر سيده فلم يقتل الامام رغم كراهيته له و لأهل بيته.


و اذا ما حاول أحد مؤاخذة الامام زين العابدين عليه السلام، كما فعل آخرون مع الامام الحسن، بحجة أنه هادن دولة الظلم و لم يشهر سيفه عليها، بغض النظر عن الظروف و الملابسات التي كانت تحيط بذلك - و قد استعرضناها في دراستنا هذه - فان عليه أن يلتفت الي نقطة جديرة بالاهتمام و هي: بقاء المنزلة الرفيعة للامام في نفوس أهل المدينة و أهل الحجاز عامة و عدم مؤاخذتهم اياه علي عدم المشاركة السياسية الواضحة بمعركة الحرة رغم أنهم أقرب عهدا منه و أشد فهما و وعيا لملابسات الحادث و ظروفه و تفاصيله... و كان أحري بهم أن يقفوا منه موقفا سلبيا و لقاطعوه لو أنهم لمسوا منه تقصيرا أو تهاونا و لو أنهم لم يفهموا موقفه فهما صحيحا.

و قد تجلي احترامهم الكبير له و لمنزلته حضور مئات العلماء و التابعين مجالسه و دروسه و اجماعهم و اجماع من عاصره علي تقديره و الاشادة به.

كما تجلي ذلك في أكثر الأماكن حساسية و خطرا - في بيت الله العتيق - و قد حج، و حج ذلك الموسم هشام بن عبدالملك الذي لم يستطع رغم جنوده و خدمه الوصول، الي الحجر الأسود و استلامه، حتي اذا جاء زين العابدين عليه السلام تنحي له الناس حتي استلمه، و قد تساءل هشام عن هوية ذلك الذي هابه الناس و تنحوا له بذلك الاحترام الملفت للنظر، و قد رد الفرزدق علي تساؤل هشام بقصيدة مشهورة من عيون الشعر العربي لا زال الناس يتداولونها الي يومنا هذا. [4] .


پاورقي

[1] من المعلوم ان لزين‏ العابدين ولد ولد قبل واقعة الطف بثلاث سنين و هو محمد الباقر عليه ‏السلام فيکون عمره في واقعة الحره ست سنين.

[2] المراد بالشراب هنا ما يتخذ من الثمار و الفواکه و العسل و لا يقصد به الخمرة أو النبيذ. مع أن الأمويين لم يکونوا يتودعون عن تعاطيهما في مجالسهم الخاصة و خصوصا يزيد.

[3] الطبري 358 / 3.

[4] و مطلعها:



هذا الذي تعرف البطحاء و طأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم‏



و قد حبه هشام علي قصيدته هذه، ثم أطلق سراحه فيما بعد.