بازگشت

بين استلام السلطة و بناء القواعد الشعبية المؤمنة


(ان أئمة الشيعة الامامية في أبناء الحسين عليه السلام، قد اعتزلوا بعد مذبحة كربلاء السياسية، و انصرفوا الي الارشاد و العبادة و الانقطاع عن الدنيا) [1] مع أن حياتهم كانت حافلة بالممارسات الاجتماعية الهادفة التي كان من شأنها تعميق ممارسة عملية التغيير التي بدأها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لتكميل بناء الأمة علي أساس الاسلام... (فليس من الممكن أن نتصور تنازل الأئمة عليهم السلام عن الجانب الاجتماعي الا اذا تنازلوا عن التشيع.

غير أن الذي ساعد علي تصور اعتزال الأئمة عليهم السلام و تخليهم عن الجانب الاجتماعي من قيادتهم، ما بدا من عدم اقدامهم علي عمل مسلح ضد الوضع القائم) [2] ، و هو أمر له مبرراته، فاستلام الحكم دون وجود قواعد شعبية واعية صلبة، تدرك هدفه و تؤمن بنظريته في الحكم و تعمل علي حمايته و تصمد بوجه أعدائه، من شأنه خلق مأساة جديدة لا مبرر لها يكون شخوصها هو و ما تبقي من عائلته و أنصاره و تلامذته المقربين.


كانت ثورة المدينة رد فعل سريع غاضب علي سلوك يزيد، و لم يكن للثوار خطط مدروسة أو منهج ثابت لمواجهة دولة الظلم القوية المزدهرة المنتشية (بنصرها) علي الحسين و أسلوب قمعها لثورته، و كان هو الثوار أن يستشهدوا لأنهم اعنقدوا أنه لم يعد بوسعهم السكوت عن الممارسات المنحرفة أكثر من ذلك.. خصوصا و أنهم لم يبادروا من قبل بالثورة، و ربما كان الشعور بالذنب أحد العوامل التي دفعتهم للثورة بعد أن تقاعسوا قبل و لم يبدوا أي رد فعل و لم كان ضعيفا ضد دولة الظلم.

كانت نتائج ثورة المدينة متوقعة، و كان يزيد سيستنفر أعوانه لقمعها بأشد الأساليب وحشية، و كانت اجراءات الثوار لا تتسم بالحذر و الصلابة الكافيين تجاه الطابور الأموي المتبقي بالمدينة و لم تقم حتي بتشديد الرقابة عليه.

(ان أهل المدينة لما بايعوا عبدالله بن حنظلة الغسيل علي خلع يزيد بن معاوية، و ثبوا علي عثمان بن محمد بن أبي سفيان و من بالمدينة من بني أمية و مواليهم و من رأي رأيهم من قريش، فكانوا نحوا من ألف رجل، فخرجوا بجماعتهم حتي نزلوا دار مروان بن الحكم، فحاصرهم الناس فيها مصارا ضعيفا) [3] مما جعلهم ينجحون بارسال ممثل عنهم الي يزيد و تدبير خطة ناجحة لادخال جنوده الي المدينة و اقتحامها بسهولة.

و لم يكن أحد ليحذر أهل المدينة في ثورتهم، و سيحملهم الجميع مسؤولية ما حل بهم [4] ... و كان الامام زين العابدين، لو أنه شارك بتلك الثورة، لحمل كامل السمؤولية عما وقع لأهل المدينة و له أيضا اذ سيكون في مقدمة المقتولين الذين تستباح حرمتهم و لقيل لنا: ألم يكن في ثورة أبيه عليه السلام و ما حل به زاجرا له..؟

و بقتله ستزداد المأساة اتساعا اذ ستختفي القيادة المؤهلة لتحصين الكتلة العقائدية و لا تقطع خط أهل البيت الذي كان من المفترض استمراره و ديمومته لبناء هذه الكتلة علي الدوام و دعمها بعناصر البقاء و الديمومة،و تربية الأمة علي تخليص


التجربة الاسلامية من أيدي المنحرفين و أعداء الاسلام و تحريك ضميرها و ارادتها و الاحتفاظ بهما (بدرجة من الحياة و الصلابة تحصن الأمة ضد التنازل المطلق عن شخصيتها و كرامتها للحكام المنحرفين) [5] .


پاورقي

[1] بحث حول الولاية / السيد محمد باقر المصدر 1397 ه - 1977 م - دار التوحيد 49.

[2] المصدر السابق ص 51.

[3] الطبري 352 / 3.

[4] و من الغريب ان الضمير (الاسلامي) الموالي لدول الظلم لم يهتز تلک المأساة، و قد استمعنا ال العديد من الآراء التي حملتهم المسؤولية و ما حل بهم علي يد أعوان يزيد و حاولت تبرءته منها باعتبار انه مجرد حاکم فاسق و لم يکن زنديقا، و انه قد أنذرهم بعدم الثورة عليه و لم تستبح المدينة الا بعد انتهاء من الأنذار.

[5] بحث حول الولاية ص 53.