بازگشت

لماذا لم يتزعم الامام زين العابدين ثورة المدينة..


و هنا يثار سؤال: لماذا لم يتزعم الامام زين العابدين ثورة المدينة، و لم يشارك بها علي الأقل و ترك المدينة قبيل المواجهة مع جند يزيد؟

و هو سؤال شبيه بذلك الذي أثير حول عدم قيام الامام الحسن عليه السلام بثورة ضد معاوية، و قد تناولنا الجواب عنه في هذا الكتاب، و قد رأينا أن الحسين عليه السلام لم يقم هو أيضا بثورته ضد معاوية، لأن الظروف الموضوعية لم تكن مهيئة لذلك، و لم تكن الأمة مستعدة للتجاوب معهما لخوض تجربة الثورة.

و علي ذلك فان مهمتهما في ذلك الوقت كانت مكرسة ل (تعميق الرسالة فكريا و روحيا و سياسيا للأمة نفسها، بغية ايجاد تحصين كاف في صفوفها لكي يؤثر هذا التحصيف في مناعتها، و في عدم انهيارها بعد تردي التجربة و سقوطها، و ايجاد قواعد واعية في الأمة و ايجاد روح رسالية فيها و ايجاد عواطف تجاه هذه الرسالة في الأمة...) [1] .

أما في عهد يزيد و بعد أن أسفر الانحراف عن وجهه - و مع وجود الناصر، المتمثل بأهل العراق الذين أبدوا استعدادهم أمام أبناء الأمة للمسير وراء الحسين عليه السلام و مناهضة دولة يزيد، فان الامام الحسين عليه السلام رغم معرفته بالنتائج المتوقعة من وراء ثورتهن و مسيره للعراق، كان يري أن السبيل الوحيد أمامه هو اكمال هذا المسير و عدم التراجع عنه مهما بدت الصعوبات و المخاطر كبيرة - و قد تحدثنا عن ذلك باسهاب في هذا الكتاب - لأنه لو تراجع لتحمل المسؤولية التاريخية لسقوط لأمة كلها، و لقيل بعد ذلك ان أهل الكوفة كانوا صادقين في مزاعمهم لنصرته، غير أنه هو الذي لم يقبل ذلك و رضي أن يضع يده بيده يزيد أو يهرب الي مأمنه في


الأرض، و لفسح المجال لدولة الظلم الأموية للتحدث عن مشروعية وجودها و بقائها و التمادي في عبثها الي أقصي حد.

و كان الامام زين العابدين شاهدا رئيسيا علي ما حصل لوالده و أصحابه في واقعة الطف، و كان يتابع مجريات الأحداث متابعة دقيقة و يري الظرف الذي قام به الامام الحسين عليه السلام بثورته، و قد تحمل هو وحيدا مسؤولية اعادة موكب النساء و الأطفال سالما الي المدينة و لقي مشاق حجه عديدة.

و خلال مقابلاته مع ابن زياد و يزيد و استماعه لأقوالهما و ما تمثل به يزيد من شعر ينكر فيه رسالة الاسلام جملة و تفصيلا، أدرك أن دولة الظلم هذه، من خلال شعور قادتها بالنشوة و النصر، ستقدم علي ارتكاب المزيد من الجرائم لتثبيت نفسها، و انها ستعمد الي معاقبة آلاف الناس، و مدن بأكملها اذا ما خرج بعضهم عليه.


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 131.