بازگشت

وصية معاوية بشأن المدينة ارمهم بمسلم بن عقبة


و قد كان معاوية يدرك ان الأمة التي استسلمت له و قبلت أن تبايع يزيد، ربما ستتراجع عن ذلك بعد غيابه و موته، و كما توقع أن تظهر بوادر ذلك من الكوفة و أوصي يزيد بارسال عبيدالله بن زياد واليا عليها لقمع أي تحرك محتمل، فانه احتمل أن تثور المدينة أيضا بوجه يزيد، و قد أوصاه أن يرسل مسلم بن عقبة لقمعها أيضا، و قد روي لنا (...أن معاوية لما حضرته الوفاة، دعا يزيد فقال له، ان لك من أهل المدينة يوما، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فانه رجل قد عرفت نصيحته...) [1] .

و هكذا رمي أهل المدينة بمسلم تنفيذا لوصية والده الماكر الذي كان يتوقع


رفض الناس لولده و ثورتهم عليه، و قد استطاع مسلم بن عقبة بمعونة بني أمية المحصورين في المدينة الذين أعطوا أهلها عهدا بألا يدلوا مسلم علي ثغراتها ثم نقضوا عهدهم، فعل ذلك عبدالملك بن مروان. ثم بفعل سياسة التهديد و العطاء التي اتبعها مع جنده [2] ، أن يدخل المدينة بأولئك الجند الذين كانوا يتفوقون بعددهم علي المحاربين أهل المدينة كثيرا، بعد دفاع مستميت من قبل أهلها و في مقدمتهم أولئك الرجال الذين قابلوا يزيد فهالتهم تصرفاته الماجنة البعيدة عن أدني حدود الأدب و الأخلاق الاسلامية، حتي خافوا أن يرموا بالحجارة من السماء ان هم سكتوا عنه.


پاورقي

[1] المصدر السابق 359 / 3 و العقد الفريد 128 / 5 و ابن‏کثير 224 / 7 و الزوائد 250 / 7 و فتح الباري 71 / 13.

[2] عندما صدر أمر يزيد لمسلم بالتوجه نحو المدينة، خرج مناديه فنادي: (أن سيروا الي الحجاز علي أخذ أعطياتکم کملا و معونه مائة دينار توضع في يد الرجل من ساته، فانتدب لذلک اثنا عشر ألف رجل) الطبري 353 / 3

و قد نادي مسلم في أهل الشام، عند اشتداد القتال عندما قتل غلامه و حامل رايته:

(يا أهل الشام، أهذا القتال قتال قوم يريدون ان يدفعوا به عن دينهم، و ان يعزوا به نصر أمامهم، قبح الله قتالکم منذ اليوم، ما أوجعه لقبلي و أغيظه لنفسي، أما و الله ما جزاؤکم عليه الا أن تحرموا العطاء، و أن تجمروا في أقاصي الثغور، شدوا مع هذه الراية، ترح الله وجوهکم ان لم تعيبوا فمشي برايته، و شدت تلک الرجال أمام الراية، فضرع الفضل بن عباس، فقتل و ما بينه و بين المناب مسلم بن عقبة الا نحو من عشر أذرع.. المصدر السابق 355 / 3.

نفس المصدر 354 / 3 و قال لهم محرضا: (يا أهل الشام، انکم لستم بأفضل العرب في أحسابها و لا أنسابها، و لا أکثرها عددا، و لا أوسعها بلدا، و لم يخصصکم الله بالذي خصکم به من النصر علي عدوکم، و حسن المنزلة عند أئمتکم الا بطاعتکم و استقامتکم، و ان هؤلاء القوم و أشباههم من العرب غيروا فخير الله بهم، فتموا علي أحسن ما کنتم عليه من الطاعة، يتمم الله لکم أحسن ما ينيلکم من النصر و الفلج...) نفس المصدر 356 / 3.