بازگشت

ثاروا بعد أن أدركوا أبعاد الانحراف


و لم يكن خروجها علي سلطة يزيد مجرد رغبة أو نزوة في نفوس أشخاص معينين ذوي تأثير علي الآخرين، قاموا بثورتهم كما حاول البعض تصوير ذلك، و كما فعلوه بشأن ثورة الحسين عليه السلام نفسها قبل ذلك في محاولة لتشويهها و تشويه أهدافها.

لقد كانت الأسباب التي دعت أهل المدينة للثورة علي يزيد و اخراج عامله و بني أمية منها، - مع أن تلك الثورة جاءت متأخرة و في وقت وجد النظام فيه أنه يستطيع اللجوء الي أقصي الأساليب شدة و دموية - هي نفس الأسباب التي دعت الامام الحسين عليه السلام للثورة عليه و رفضه.

و قد كان قتل الحسين نفسه أحد الأسباب المضافة التي عززت ثقة أهل المدينة بموقفهم و تصميمهم علي الثورة.. و جعلتهم يدركون ضرورة ثورته بوجه الدولة الأموية التي أسفرت عن انحرافها و ظلمها و خروجها المتعمد اللامبالي عن الاسلام، (... لما شمل الناس جور يزيد و عماله، و عمهم ظلمه، و ما ظهر من فسقه، من قتلة ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنصاره، و ما أظهر من شرب الخمور، و سيره سيرة


فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته، و أنصف منه لخاصته و عامته، أخرج أهل المدينة عامله عليهم، و هو عثمان بن محمد بن أبي سفيان و مروان بن الحكم و سائر بني أمية...) [1] .

لقد فعل يزيد ما توقع الامام الحسين عليه السلام أن يفعله، فقد كان يري فيه النتاج الكامل للانحراف، و لابد أن يفعل ما يفعله بل و يتمادي في انحرافه و شذوذه لأبعد اذا ما تولي قيادة الأمة الاسلامية.. و قد دعا الأمة الي الموقف الذي وقفته متأخرة بعد ذلك، و كانت استجابتها له ضعيفة تحت و طأة وجودها القريب في ظل معاوية و تأثرها به و بألاعيبه و دجله.

لقد أضيفت الي الأسباب التي حذر الامام الحسين الأمة منها، أسباب أخري منها قتله هو نفسه عليه السلام مما شكل نهاية التمادي بانتهاك كل مقدس لدي هذه الأمة و ان كان الاسلام نفسه أو آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فقد انتهت محنة الحسين الي الحجاز، فكانت صدمة لأهله و للصالحين منهم خاصة، و جعل الناس يتحدثون بها، فيكثرون الحديث، و جعلوا يعظمون أمرها. ما أكثر ما تحدثت قلوبهم اليهم، و ما أكثر ما تحدث بعضهم الي بعض حين كانوا يخلون، بأن سلطان يزيد قد أمعن في الخلاف عن أمر الله، فلم تصبح طاعته لازمة، بل أصبح الخروج عليه واجبا حين يمكن الخروج عليه..) [2] .


پاورقي

[1] مروج الذهب 74 / 83 / 3.

[2] طه حسين / الفتنة الکبري 246 / 2.