بازگشت

معاوية استهدف الكوفة لكي تتحول عن الخط العلوي


لقد علم معاوية أن من انحاز اليه لم يكن يفعل ذلك الا لكي يحصل علي بعض المكاسب المادية و ان أولئك الذين اقتنعوا به لم يجدوا الا سببا واحدا طرحة عليهم و هو المطالبة بدم عثمان أو تسليم قاتليه، و لا أحد يستطيع القول ان معاوية قد جعل الكثيرين ينحازون اليه لأنه كان يمثل الاتجاه الصحيح في الاسلام و انه كان الممثل الحقيقي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كما أنه يدرك أنه لو لا موقعه من أهل الشام و اقتناعهم به لما استطاع أن يصمد في دعاواه و في حروبه التي شنها علي المسلمين و خليفتهم الشرعي أميرالمؤمنين عليه السلام، و قد حاول أن يضفي علي تصرفاته طابعا مسؤولا أمام أنصاره و مؤيديه بتصوير بقية الناس ممن يتابعون أميرالمؤمنين و لا يخرجون عن طاعته أو حكومته انهم طائفة جديدة من الشعية يختصمون بلي دون الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و يسيرون و راءه دون بصيرة أو وعي و دون قضية عادلة.

و عبقرية معاوية في الشر و دأبه المستمر و حرصه علي النيل من أميرالمؤمنين و بقية المسلمين الذين يشايعونه و يرون في حكمه الشرعي الصحيح، جعله ينجح في محاولاته تلك - و خصوصا مع أهل الشام الي حد بعيد - فتتسع النظرة الخاطئة لأولئك الذين كانوا جنودا خلف الامام في كل معاركه الي أن استشهد بعد مدة قصيرة من حكمه لم تصل الي خمس سنوات، و تركهم دون أن يكمل مشواره معهم و يحقق أمنيته في الدولة الاسلامية المنشودة و القائمة علي خط الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، في مهب التيارات و الأحزاب و العواصف و معاوية الذي افرد بالحكم و السلطة المطلقة غير المقيدة الا بقانون مصالحه و رغباته و امتيازاته.


و رغم موقف معاوية و قرشي المدينة و أعوانهم من أميرالمؤمنين، الا أن بقية المسلمين ظلت تنظر اليه و الي آله عليهم السلام تلك النظرة التي تحفظ له مكانته، و لم يستطع حتي أعداؤه، رغم كل محاولاتهم للنيل منه الا مجرد الادعاء بأنه تساهل مع قتلة عثمان، و ربما ذهبوا الي أبعد من ذلك، فادعوا أمام أهل الشام أنه قد حرضهم علي القتل، من عثمان، كما ذكرنا في هذا الكتاب. نقل عن ابن سيرين قوله: (ما علمت أن عليا اتهم في دم عثمان حتي بويع، فلما بويع اتهمه الناس) [1] ممن أضمروا له العداوة و حرصوا علي ألا يتولي مسؤولية الحكم المباشرة.

و كان هذا هو واقع الحال الذي ذكرته لنا كتب التاريخ مجتمعة.


پاورقي

[1] القعد الفريد 52 / 5.