بازگشت

حاضرة المسلمين الأولي


كانت المدينة المنور - مسقط رأس الحسين - الي عهد قصير من هذه الأحداث، و قبل أن ينتقل منها أميرالمؤمنين الي الكوفة، عاصمة الدولة الاسلامية و حاضرتها الأولي التي كانت قد احتضنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و استجابت له و دعته للهجرة اليها، و جعل أهلها أنفسهم أنصارا له و أخوة للمسلمين الهماجرين معه، آخاهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ألف الله بين قلوبهم [1] . حتي أصبحت قريش العاتية المتغطرسة تحسب لها ألف حساب و هي تعد قوتها الكبيرة لمواجهتهم أو شن الحرب عليهم، حتي خابت في النهاية بعد كل جهودها و مناوراتها و دسائسها.

و لم تكن المدينة النمورة، قرية أو مدينة بعيدة في أقصي مكان من هذه الدولة، لا تعرف عن الاسلام شيئا، بل كان أهلها قد عاشوا مع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و اختلطوا به و راقبوا سيرته و عاشوا دقائقها و تفصيلاتها، بعد أن عاش بينهم بقية حياته الحافلة بعبق الرسالة و أنسام الوحي الأمين و هو يحمل رسالة الله اليه ليبلغها الي الناس كافة عن طريق المؤمنين من المهاجرين و الأنصار الذين التفوا حوله تغمرهم أطيابه و تعطرهم أنفاسه.

و قد شهدت الدلة الاسلامية أدوار نموها و نهوضها و اكتمالها في هذه المدينة المباركة التي أسماها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (طيبة) بعد أن نورها بطلعته و طيبها بريحه و عبق أنفاسه المباركة، كما عاشت المراحل اللاحقة التي انتهب تلك النهاية المأساوية الأليمة، حينما رأت أعداد من المسلمين أن الخليفة الثالث لم يعد يستجيب لما كان


ينبغي أن يستجيب له و لم يكن بنظرهم الممثل الحقيقي للخلافة، و انه آثر أقرباءه و بعض الشباب العابثين، من الذين سبق أن ناصبوا - هم و آباؤهم - رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العداوة و تربصوا به الدوائر و كانوا ملعونين منبوذين مطرودين أيام حكومته و بعد ذلك أيضا، و قد تمادي هؤلاء - في ظل قريبهم الخليفة الشيخ - الذي التزمهم و لم يسمع فيهم قول قائل، في سلوكهم المنحرف و ابتعادهم المتعمد عن الاسلام بل حتي عن بعض الممارسات المظهرية التي كان ينبغي أن يكونوا هم أول المتمسكين، أو المتظاهرين بها علي الأقل لتحسين صورهم بنظر أبناء الأمة، بحكم مراكزهم عمالا و ولاة و قادة للأقاليم الاسلامية.


پاورقي

[1] قل ابن‏اسحق: (... و آخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار، فقال:... «تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي‏طالب، فقال: هذا أخي، فکان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم والد سيد المرسلين، و امام المتقين، و رسول رب العالمين، الذي ليس له حظير و لا نظير من العباد، و علي بن أبي‏طالب رضي الله عنه أخوين..) - ابن‏هشام السيرة النبوية 504 - 1.