بازگشت

تبريرات و تلفيقات لاخفاء الجريمة


و كانت حملة (التبريرات) و التنصل من مسؤولية الجريمة، المضادة لحملة الاحتجاجات و الشجب و الاستنكار الصادرة من قبل آلامه، قد أريد منها امتصاص الغضب من ذلك العمل الشائن و الصاقه بشرذمة قليلة من أهل الكوفة، و تجريد يزيد من مسوولية ذلك تماما حرصا علي أن عدم قيام أحد بلعنه فيشمل ذلك أباه الذي يحرصون أشد الحرص علي تجنيبه ذلك مع أنه كان أول من لجأ الي أسلوب اللعن هذا بحق أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و شجع عليه و نظم لذلك حملة مدروسة استمرت في عهده و بعد ذلك لأكثر من نصف قرن.. (و قد تأول عليه من قتله، انه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها. و ليخلع به بايعه الناس و اجتمعوا عليه. و قد ورد في صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك و التحذير منه و التوعد عليه، و بتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه و قتلوه، و لم يكن لهم قتلة.

فاذا ذمت طائفة من الجبارين، تذم الأمة كلها بكلمالها و تتهم علي نبيها صلي الله عليه و آله و سلم...! فليس الأمر كما ذهبوا اليه و لا كما سلكوه، بل أكثر الأئمة قديما


و حديثا كاره ما وقع من قتله و قتل أصحابه، سوي شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله، و أكثرهم كانوا كاتبوه ليتوصلوا الي أغراضهم و مقاصدهم الفاسدة...

فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغه ما يريدون من الدنيا، و أخذهم علي ذل و حملهم عليه بالرغبة و الرهبة فانكفوا عن الحسين و خذلوه ثم قتلوه، و ليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله، بل و لا يزيد بن معاوية رضي بذلك، و الله أعلم، و لا كرهه..

و الذي يكاد يغلب علي الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه، كما أوصاه بذلك أبوه، و كما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك... و قد لعن ابن زياد علي فعله و شتمه فيها يظهر و يبدو،و لكن لم يعزله علي ذلك و لا عاقبه، و لا أرسل يعيب عليه ذلك، و الله أعلم) [1] ... و لا ندري لماذا لم يفعل ذلك مادام قد لعنه و شتمه...؟ و لا ندري لماذا غابت عن ذاكرة ابن كثير ما رواه هو لنا عن سروره برؤية رأس الحسين و انشاده الأشعار التي دلت علي خروجه الصريح عن الاسلام و عدم اعترافه به.

و يبدو أن ردوه فعل قوية تولدت من حملة شجب قتل الحسين و أصحابه بتلك الطريقة المروعة و امتد أثرها حتي في نفوس الحكام الأمويين أنفسهم، حتي لقد (كتب عبدالملك بن مروان الي الحجاج بن يوسف: جنبني دماء أهل هذا البيت، فأني رأيت بني حرب سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين...) [2] .


و قد أصبح يزيد بفعلته تلك مثال الانسان المأفون المتهور غير المتبصر و غير العاقل، و حتي بنظر الحكام الأمويين أنفسهم الذين تنصلوا من فعلته، ربما ليتقربوا بذلك من الأمة.. و قد خطب عبدالملك بن مروان هذا نفسه في أهل الشام بعيد استتباب الأمور لصالحه قائلا: (.. أيها الناس، اني و الله ما أنا بالخليفة المستضعف، يريد عثمان بن عفان، و لا بالخليفة المداهن، يريد معاوية بن أبي سفيان، و لا بالخليفة المأفون، يريد يزيد من معاوية...) [3] .

و وصل الأمر بأحد خلفاء بني أمية و أكثرهم عدالة و نصيحة للمسلمين أن أمر بضرب أحد الناس لأنه قال: (أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية) [4] .


پاورقي

[1] ابن‏کثير / البداية و النهاية 204 - 203 / 8.

فقد ذکر لنا ابن‏کثير نفسه عن ابن‏عساکر في ترجمته ديا حاضنة يزيد بن معاوية: (ان يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بقول ابن‏الزبعري يعني قوله:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل..)



البداية و النهاية 206 / 8.

و من المرجح انه لم يعلن استنکاره لعمل ابن‏ زياد، و الذي کان هو و أبوه السبب الأول و المباشر له الا بعد ازدياد النقمة الشعبية عليه و تحميله مسؤولية قتل الامام الحسين عليه ‏السلام و کما قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 194 (و لما قتل الحسين و بنو أبيه بعث ابن‏ زياد برؤوسهم الي يزيد فسر بقتلهم أولا، ثم ندم المسلمون علي ذلک، و أبغضه الناس، و حق لهم أن يبغضوه..).

[2] العقد الفريد 126 / 5.

[3] المصدر السابق 141 / 5.

[4] السيوطي / تاريخ الخلفاء 194.