بازگشت

الابقاء علي شحنة الحزن النبيل المتعاطف


كان الامام زين العابدين يري ضرورة تصاعد مشاعر التعاطف و الود تجاه آل البيت عليهم السلام... و كان الابقاء علي شحنة الحزن النبيل بما لحق بالحسين عليه السلام قائد الأمة و ممثلها الحقيقي، من شأنه تصعيد الشعور المعادي للظلم و الانحراف دائما، لا في زمن يزيد أو لدولة الأموية، و انما في كل زمان و مهما كان شكل الظالم و شعاراته و واجهاته.

و كان هو أول مجسد لذلك الحزن النبيل المتعاطف مع الحق و فطرة الاسلام السامية و الشاجب للظلم، فلم تكن مصيبته بأبيه و آل بيته و أصحابه نتيجة حدث طبيعي أو قدر أو حادث لابد لأحد فيه، و انما جاءت نتيجة عدوان من فئة نصبت من نفسها حاكمة علامة وقيمة عليها بالقوة و الاكراه، و أرادت التمادي في ظلمها، و قد وقف لها الحسين و أنصاره بالمرصاد و قدموا دماءهم أمام أبناء الأمة كلها علانية و في وضح النهار و أعلنوا شجبهم، بل رفضهم لدولة الظلم التي واجهتهم تلك المواجهة الدموية الرهيبة و ألحقت بهم أشد ضروب التنكيل حتي بعد الموت... و كان علي الأمة أن تلتفت لأولئك الذين قدموا أرواحهم و دماءهم في سبيلها... و تقابلهم بأعلي درجات التقدير و العرفان و الود لما قدموا من أجلها، و كان الحسين عليه السلام في مقدمتهم لمكانته و عظم تضحيته التي فاقت كل تضحية أخري.

و هكذا صرح زين العابدين قائلا: (أيما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خديه فيما مسنا من الأذي من عدونا في الدنيا، بوأه الله منزل صدق، و أيما مؤمن مسه أذي فينا فدمعت عيناه حتي تسيل علي خديه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذي يوم القيامة من سخط النار) [1] .

و قد روي عن الصادق عليه السلام قوله: (ان زين العابدين عليه السلام بكي علي أبيه


أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله، فاذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه فيقول: كل يا مولاي. فيقول: قتل ابن رسول الله جائعا، قتل ابن رسول الله عطشانا، فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتي يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتي لحق بالله عزوجل) [2] .


پاورقي

[1] الامام زين‏ العابدين، السيد عبدالرزاق المقرم ص 343 نقلا عن ثواب الأعمال للصدوق. و ورود في کامل الزيادة لجعفر بن محمد بن قولويه القمي - المطبعة المرتضوية - النجف / 1356 ه - باب 34 ص 104 - 103 قوله عليه ‏السلام: (أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتي تسيل علي خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسکنها أحقابا، و أيما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خده فينا لأذي مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها الجنة مبوأ صدق).

[2] بحارالأنوار 149 / 45 و قد ورد عن الصادق عليه ‏السلام في مناقب ابن‏شهر اشوب ان علي بن الحسين بکي علي أبيه عشرين سنة و روي الصدوق في الأمالي و الخصال عن الصادق عليه ‏السلام: و أما علي بن الحسين فبکي علي الحسين عليهم‏السلام عشرين سنة و أربعين سنة. و من المعلوم أن زين‏ العابدين بقي بعد أبيه عليهم‏السلام عشرين سنة و أربعين سنة. و من المعلوم أن زين‏ العابدين بقي بعد أبيه عليهم‏السلام مدة 33 سنة أو 34 سنة، غير أن رواة سيرته ذکروا أنه بکي عليه بقية حياته - تراجع سيرة الأئمة 208 / 3.