بازگشت

اسلوب جديد لفضح الانحراف


لم يكن بامكان زين العابدين أن يحرض الناس تحريضا مباشرا علي الدولة الأموية الظالمة التي أعلنت استعدادها للتمادي في ممارساتها المفضوحة الخارجة عن الاسلام، و اذ أنها ستلجأ معه الي ما لجأت اليه مع أبيه، و ستعمل علي تصفيته و تصفية كل من يتعاطف معه، غير أنه باحياء ذكري والده، تلك الذكري التي تستدر الدموع و الحزن من عيون المسلمين الذين عرفوا مكانته و موقعه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الغرض الذي ثار من أجله، و هو حق شخصي، لم تر فيه الدولة خطرا عليها بعد و لم تفكر بعواقبه، يكون قد مهد السبيل أمام تصاعد النقمة الشعبية بوجه الحكم الأموي، و كل حكومة ظالمة فيما بعد.

كان ذلك التجمع الجماهيري الذي أعد له الامام زين العابدين في المدينة عند عودته اليها بعد مسير العودة المرهق يتسم بطابع العفوية و و الاستجابة التلقائية المتأثرة بالحدث الكبير الذي حدث في كربلاء، فخبر ذلك الحدث قد وصل المدينة في وقت مبكر، لعله وصلها قبل أن يصل الشام، و كان رد الفعل قويا في بيوتها، و لعل أهلها كانوا متلهفين علي معرفة أخبار من بقي من قافلة الحسين، و يودون لو أنهم عادوا سالمين الي ديارهم، و لعل الشوق و اللهفة لمقابلتهم و ابداء مشاعر الحزن و الأسي أمامهم هو هاجسهم الأول و أملهم الكبير. كان زين العابدين عليه السلام يدرك ذلك و يعلم منزلة آل الرسول عليهم السلام من أهل المدينة، فلم ير أن يكون حدث العودة عابرا صامتا لا تشهده الا القلة من الناس، و لم يشأ أن يكون متسما بالذلة التي ما تكون غالبا في أعقاب القهر و الهزيمة و تسلط العدو، و انما أراده أن يكون عاصفا مشحونا بعواطف الولاء و الاستجابة الصادقة الزينة لأناس ما كان ينبغي أن يقابلوا بتلك الصورة و لا أن يعاملوا تلك المعاملة من قبل مسؤولي دولة الظلم و أعوانها.

و يمكن اعتبار ذلك أول تجمع جماهيري مدروس، رغم ما اتسم به من غفوية في المواقف و المشاعر، أراد من خلاله الامام زين العابدين أن يوضح للأمة مظلومية آل البيت بما تعرضوا له من أذي و استبعاد عن المركز الحقيقي اللائق و الجدير بهم، و مظلوميتها هي، الأمة المقهورة المغلوبة التي ما كان ينبغي لها أن تعيش ظروف القهر و الحرمان و الظلم تولد دولة الانحراف الأموية.