بازگشت

قبيل الوصول الي المدينة


و قبيل الوصول الي المدينة أراد الامام علي بن الحسين أن يكون لذلك الوصول وقع خاص، و أن يستقبل أهل المدينة بقية موكب الحسين استقبالا جديرا بالتضحية التي قدمها.

روي أحد الشعراء، بشير من حذلم قال: (... لما قربنا منها[المدينة] نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله، و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال:

يا بشير: رحم الله أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر علي شي ء منه؟

قلت: يا ابن رسول الله اني لشاعر.

قال: فادخل المدينة، وانع أباعبدالله...

فركبت فرسي و ركضت حتي دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلي الله عليه و آله و سلم رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول:



يا أهل يثرب لا مقام لكي بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار



الجسم منه بكربلاء مضرج

و الرأس منه علي القناة يدار



ثم قلت: هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم، و أنا رسول اليك أعرفكم مكانه.

فما بقيت في المدينة محذرة و لا محجبة الا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل و البثور، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر علي المسلمين منه...) [1] .

و قد أرشد هذا الشاعر الذي كان ضمن موكب علي بن الحسين و مستقبليه الأوائل أهل المدينة الي الموضع الذي نزل فيه الامام، فبادروا اليه.

و يقص علينا بقية الخبر: (فضربت فرسي حتي رجعت الهيم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع، فنزلت عن فرسي، و تخطيت رقاب الناس، حتي قربت


من باب الفسطاط، و كان علي بن الحسين عليه السلام داخلا و معه خرقة يمسح بها دموعه، و خلفه خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه، و هو لا يتمالك من العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و حين الجواري و النساء، و الناس من كل ناحية يعزونه، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة، فأومأ بيده أن اسكتوا، فسكنت فورتهم، فقال عليه السلام:

الحمد الله رب العالمين، الرحمان الرحيم، مالك يوم الدين، بادي ء الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السموات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الأمور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع، و جليل الهزء و عظيم المصائب الفاجعة، الكاظة الفادحة الجائحة..

أيها الناس، ان الله - و له الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبوعبدالله و عترته، و سبي نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان، من فوق عامل السنان، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية...

أيها الناس: فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله، أم أية عين منكم تحبس دمعها، و تضن عن انهمالها. فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الأرض بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون...

أيها الناس: أي قلب لا ينصدع لقتله، أم أي فؤاد لا يحن اليه، أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام... أيها الناس: أصبحنا مطرودين، مشردين، مذودين، شاسعين عن الأمصار، كأنا أولاد ترك و كابل، من غير جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام، ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. ان هذا الا اختلاق.

و الله لو أن النبي تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصاءة بنا، لما ازدادوا علي ما فعلوا بنا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أوجعها، و أفجعها، و أكظها، و أفظها، و أمرها، و أفدحها... فعند الله نحتسب فيما أصابنا، و ما بلغ بنا، انه عزيز ذو انتقام..) [2] .



پاورقي

[1] البحار 147 / 45.

[2] المصدر السابق 149 / 148 / 45.