بازگشت

الشامي المضلل


و قد رأينا ذلك الشامي الذي طلب من يزيد منحه احدي بنات أميرالمؤمنين عليه السلام لتكون جارية له.. و قد حسب أن ذلك جائز له، و ذكرنا المحاورة التي دارت بين زينب و يزيد بهذا الخصوص [1] .

و قد روي في احدي الروايات أن هذا الرجل الشامي حينما استمع الي حوار زينب مع يزيد و أدرك أن من أحضرهن يزيد الي مجلسه بتلك الهيأة المزرية هن بنات الحسين و علي و آل أبي طالب، لعن يزيد في مجلسه ذاك و قال: (و الله ما توهمت الا أنهم سبي الروم) [2] و قد أمر يزيد بضرب عنقه.. اذ كان وعي ذلك الرجل مؤشرا خطرا لاحتمال انتشار ذلك الوعي بين جماهير الشام مما ستكون له عاقبة غير محمودة بالنسبة للنظام الحاكم [3] .


و روي عن السيد (ان بعض فضلاء التابعين لما شهد برأس الحسين بالشام أخفي نفسه شهرا من جميع أصحابه، فلما وجدوه بعد اذ فقدوه، سألوهن عن سبب ذلك، فقال: ألا ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشأ يقول:



جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا



قتلوك عطشانا و لما يرقبوا

في قتلك التأويل و التنزيلا



و يكبرون بأن قتلت و انما

قتلوا بك التكبير و التهليلا) [4] .



و اذ أن موقف هذا التابعي الفاضل محتمل و وارد لما كان لابد أن يكون متمتعا به من وعي و معرفة، فان الجماهير المضللة التي لا تتمتع بنفس القدر من الوعي و المعرفة، كانت تطبل وراء أعوان السلطة و تندفع فرحة فخورة بما تحقق لها من قتل الحسين و أصحابه...

تاب فقتل..

(.. جاء شيخ فدنا من نساء الحسين و عياله، و قد أقيموا علي درج باب المسجد، فقال: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و أراح البلاد من رجالكم، و أمكن أميرالمؤمنين منكم..

فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن..؟ قال: نعم.

قال: فهل عرفت هذه الآية: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [5] ..؟

قال الشيخ: قد قرأت ذلك..

فقال له علي: فنحن القربي يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية: (و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي) [6] ..؟ قال نعم. قال علي: فنحن القربي يا شيخ. و هل قرأت هذه الآية: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [7]

قال الشيخ: قد قرأت ذلك.


قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ.

فبقي الشيخ ساكتا نادما علي ما تكلم به و قال: بالله انكم هم؟

فقال علي بن الحسين: تالله انا لنحن هم من غير شك. و حق جدنا رسول الله انا لنحن هم.

فبكي الشيخ و رمي عمامته، و رفع رأسه الي السماء و قال: اللهم اني أبرأ اليك من عدو آل محمد من جن و انس، ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم. ان تبت تاب الله عليك، و أنت معنا. فقال: أنا تائب.

فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل.) [8] .

لقد أوشك السحر أن ينقلب علي الساحر، عنما بدت بوادر وعي و فهم تلوح في أفق دمشق... غير أن البكت و القمع كان لهما دورهما هنا، و كان لابد من اجراء حاسم بحق زين العابدين و نسائه و الا افتضح أمر النظام الأموي بين أوساط أهل دمشق و بدأت تساؤلات جدية عنه تظهر بينهم، و لم يجد يزيد بدا من ابعاد زين العابدين و الأمر باعادته الي المدينة طالبا منه أن يكاتبه و ينهي اليه كل حاجة تكون له [9] .

كان الدور اللاحق للامام زين العابدين يتصاعد باتجاه تحصين الطليعة العقائدية و جمع شملها ثانية و اعداد الأمة لتقويم الوضع بعد أن خلا الجو ليزيد و بعد أن نكل بأعدائه بذلك الشكل المرعب.


پاورقي

[1] الطبري 339 / 3 و في بعض الروايات انها فاطمة بنت الحسين - بحارالأنوار 137 - 136 / 45.

[2] البحار 137 / 45.

[3] البحار 137 / 45.

[4] المصدر السابق ص 129 - 128.

[5] الشوري 33.

[6] الأنفال 41.

[7] الأحزاب 33.

[8] الملهوف ص 158 و البحار 129 / 45.

[9] الطبري 340 / 339 / 3.