بازگشت

في مجلس ابن زياد


و كان ابن زياد يتوقع أن يستقبل أناسا أرهقهم الذل و الخوف بعد ما حل بذويهم في كربلاء، و ربما داخله السرور مسبقا من احتمال رؤية أناس مرعوبين خائفين يترجون عفوه و صفحه عنهم و يتغاضون عن شتائمه و اهاناته، و اذ أنه و وجه بنفوس عزيزة لم تكن تتقبل الذل و الاهانة و لم يفقدها هول المصاب صوابها... و كان بحواره معها، المهان الوحيد في ذلك المجلس، فانه غضب أشد الغضب من ذلك و أرعد و أبرق و تهدد لامام زين العابدين بالقتل [1] ..

و لابد أن مخبريه أوصلوا اليه أبناء الاستقبال الحميم الذي استقبل به أهل الكوفة موكب آل الحسين العائد من كربلاء، و لابد أنه لمح بوادر ثورة شعبية أخري توشك أن تهب مجددا... ففي ذلك المجلس نفسه الذي أدانه فيه الامام زين العابدين و زينب... (.. و رأس الحسين موضوع بين يديه... و هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة... فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب، قال له: اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا اله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي هاتين الشفتين يقبلها. ثم انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك، فو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك. فنهض فخرج.

فلما خرج، قال قولا لو سمعه ابن زياد لقتله.. قال: ملك عبد عبدا، فتخذهم تلدا؛ أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، و أمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم، و يستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعدا لمن رضي بالذل) [2] .


كانت الكوفة تعلن احتجاجها علي ابن زياد، الا أنه احتجاج الضعيف الذي أجبر علي المشاركة بالجريمة... و قد أراد ابن زياد ايقاف كل تحرك ممكن ضده، فدعا لاجتماع عام يتاح له فيه تهديد من يفكر بالخروج عن سلطانه و سلطان سيده يزيد. و قد جاء في خطبة ألقاها في ذلك الاجتماع قوله: (الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله، و نصر أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه، و قتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي و شيعته...) [3] .


پاورقي

[1] و قد أشرنا لتلک المقابلة بالتفصيل عند استعراض موقف زينب بعيد واقعة الصف و کذلک عند استعراض سيرة ابن‏ زياد في هذه الدراسة.

[2] الطبري 336 / 3 و البحار 117 - 116 / 45 و ابن‏کثير 192 / 8 و ابن‏الاثير 434 / 3 و الارشاد 228 و روي في سيرة الأئمة للسيد محسن الأمين 145 / 3 أنه قال له: (يا ابن‏ زياد لأحدثنک حديثا أغلظ عليک من هذا. رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اقعد حسنا علي فخذه اليمني و حسينا علي فخذه السيري ثم وضع يده علي رأسيهما ثم قال: اللهم أستودعک اياهما و صالح المؤمنين فکيف کانت وديعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عندک يا ابن‏ زياد) و راجع حول هذه الاضافة البحار 118 / 45 و قيل أيضا أن أنس بن مالک قد احتج علي ابن‏ زياد عندما کان ينکت بقضيب علي أسنان الحسين عليه ‏السلام.

[3] الطبري 337 / 3 و البحار 119 / 45 و ابن‏کثير 193 / 8 و ابن‏الأثير 436 / 3 و الارشاد 229.