بازگشت

عذر دائمي يتجدد دائما في ظل دول الظلم


هؤلاء جنود قالوا فيما بعد أنهم مغلوبون علي أمرهم، و أنهم دفعوا بالقوة لمقاومة الحسين و قتاله، و قد رأينا الطريقة التعسفية التي أخذهم بها ابن زياد و جعلهم ينقلبون علي الحسين بعد أن أرسلوا اليه يستنصرونه و يعدون بالوقوف الي جانبه.


أما الأعطيات التي و عدوا بها و السعادة التي قيل لهم أنهم سيغمرون بها و الظلم الذي قيل أنه سيرفع عنهم، فبدت لهم أمورا لا وجود لها الا في الخيال. عادوا الي واقعهم المر و قد وقعوا وثيقة استسلامهم بأيديهم حينما وافقوا علي أن يكونوا الأداة المباشرة لقتل الحسين و أصحابه...

و بالاضافة للجيش العائد الذي كان يبدو مهزوما و منكسرا نفسيا، لأنه لم يقم الا بمجرد مذبحة لم يكن مقتنعا بجدواها، و قد زادت قناعته بذلك بعدها مباشرة، اذ لم تكن تصرفات ممثلي الدولة و أعوانها الا لتتسم بالمزيد من الخشونة و الابتعاد عن العدالة بل و حتي عن الحد الأدني القليل من الكياسة و اللياقة اللذين تتطلبهما سياسة الحكم مهما كان نوعها.

فقد أسفر الحاكمون عن وجوههم الحقيقية، و لم يعودوا يرون ضرورة للتظاهر بما كان يتظاهرون به قبل ذلك... و لنا عند ذاك أن نتصور المشاعر التي بدت تظهر حينذاك... نقول: بالاضافة للجيش العائد الذي كان نفسه يشكل صوتا اعلاميا ضد نظام الحكم لما اطلع عليه و كشفه من الأساليب الغريبة التي لجأ الهيا في واقعة الطف... فان قافلة زين العابدين و موكب السبايا الذي تشرف عليه زينب، شكل موكبا اعلاميا ذا صوت مسموع و مؤثر و مرصود خلال المسافة الطويلة الممتدة من كربلاء الي الكوفة ثم الي الشام، ثم الي كربلاء ثنية (كما روت أغلب المصادر) ثم الي المدينة، المحطة الأخيرة التي بدا فيها ذلك الصوت مؤثرا الي أبعد غاية، بل لعله الذي رجح قيام المدينة بوجه يزيد بعد ذلك و أجج عضبها المكبوت، و جعلها تقدم علي ما أحجمت عنه في البداية... عندما لم تقم مع الحسين.

لقد شهدنا موقف زينب عند وصولها الكوفة و مرورها بين الجمع المحتشد الحزين من الرجال و النساء من أهلها، و استمعنا الي خطبتها فيهم و تأثيرها عليهم، حتي انهم كانوا (يومئذ حياري يبكون و قد وضعوا أيديهم في أفواههم..) [1] ... و قد قال شاهد العيان الذي رآهم في تلك الحال: (رأيت شيخا واقفا الي جنبي يبكي حتي أخضلت لحيته و هو يقول: بأبي أنتم و أمي كهولكم خير الكهول، و شبابكم خير الشباب، و نساؤوكم خير النساء، و نسلكم خير نسل لا يخزي و لا يبزي) [2] .


و قد رأينا موقفها أمام ابن زياد الذي بدا متوتر الأعصاب، و لم يكن يعيش حالة النشوة التي كان يتوقعها بعد الجرية التي قام بها أعوانه.. و استمعنا لحوار زين العابدين معه و الذي أرعجه كثيرا حتي أنه أخذ يهدد بقتله آملا أن يضعف الامام أو يتخاذل، الا أنه أجابه بكل جرأة... (أبا لقتل تهددني يا ابن زياد! أما علمت أن القتل لنا عادة، و كرامتنا الشهادة؟) [3] ... و قد أمر بسجنه ريثما يبعث به الي يزيد مع الرؤوس و السبايا...

و قد استمعنا لخطبتها في مجلس يزيد و حوارها اياه... فرغم محاولاته هو الآخر اقناع نفسه بأنه منتصر، و قد ظهر بمظهر المنتشي بالنصر، الا أنه بدا و كأنه يحاول التستر علي جريمته و اظهارها كقدر مقدر من الله مرة، و كنتيجة حتمية (لمنافسة) الحسين اياه علي الملك و السلطان... و قد وجد مخرجا في النهاية بمحاولة القاء تبعاتها علي ابن زياد و محاولة استرضاء زين العابدين و زينب و اقناعهم بقبول بعض الذهب و الأموال.

و لم يكن دور زينب و أخواتها و نساء بني هاشم و المتعاطفات معهن من نساء المدينة الا أحد العوامل المهمة بجعل المدينة تغلي ضد يزيد و تثور عليه بعد ذلك ثورتها المعروفة.


پاورقي

[1] السيد محسن الأمين / سيرة أهل البيت 143 / 3. و البحار 110 - 109 / 45.

[2] السيد محسن الأمين / سيرة أهل البيت 143 / 3 و البحار 110 - 109 / 45.

[3] البحار 118 / 45.