بازگشت

...حتي الذين لم ينصروا الحسين ندموا علي فعلتهم، عبيدالله بن الحر مثالا


و لم يكن عبيدالله بن الحر الجعفي ممن قاتلوا الحسين عليه السلام الا أنه امتنع عن نصرته رغم دعوته اياه الي ذلك، قبل الواقعة، عندما انتهي في مسيرة الي قصر بني مقاتل، و قد حذره الحسين عليه السلام قائلا: (...فالا تنصرنا، فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع داعيتنا أحد ثم لا ينصرنا الا هلك) [1] ... و قد تعهد ابن الحر أن لا يكون ذلك أبدا...

و بعد المعركة تفقد عبيد الله ابن زياد اشراف الكوفة الذين كانوا يقفون علي أعتابه كسبا لمودته، فلم ير ابن الحر، ثم جاءه بعد أيام، و قد اتهمه ابن زياد بأنه كان في صف عدوده الحسين، الا أنه أنكر ذلك.

و قد استغل الحر غفلة من ابن زياد فهرب منه و لم تستطع الشرطة اللحاق به، و قد أبلغهم قائلا: (أبلغوه أبي لا آتيه و الله طائعا أبدا.

ثم خرج حتي أتي منزل أحمر بن زياد الطائي، فاجتمع اليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتي أتي كربلاء فنظر الي مصارع القوم، فاستغفر لهم هو و أصحابه، ثم مضي و نزل المدائن، و قال في ذلك:



يقول أمير غادر حق غادر:

ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة



فيا ندمي الا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدد نادمة



و اني لأني لم أكن من حماته

لذو حسرة ما ان تفارق لازمة



سقي الله أرواح الذين تأزروا

علي نصره سقيا من الغيث دائمة



وقفت علي أجداثهم و مجالهم

فكاد الحشا ينفض و العين ساجمة



لعمري لقد كانوا مصاليب في الوغي

سراعا الي الهيجا حماة خضارمة



تآسوا علي نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمة






فان يقتلوا فكل نفس تقية

علي الأرض قد أضحت لذلك واجمة



و ما أن رأي الراءون أفضل منهم

لدي الموت سادات و زهرا قماقمة



أتقتلهم ظلما و ترجو و دادنا

فدع خطة ليست لنا بملائمة



لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم و ناقمة



أهم مرارا أن أسير بجحفل

الي فئة زاغت عن الحق ظالمة



فكفوا و الا ذرتكم بكتائب

أشد عليكم من زحوف الديالمة) [2] .



ان مرارة الندم علي ترك نصرة الحسين عليه السلام تمتزج هنا منع الغضب و النقمة علي أعدائه الذين قتلوه تلك القتلة الشنيعة.. و يكشف مديح ابن الحر لأنصار الحسين و شادته بهم عن رغبة كبيرة للوقوف موقفهم.. غير أنه، و قد فات أوان ذلك، يؤكد عزمه علي الوقوف موقفهم اذا ما ضغطت عليه الدولة و استهدفته و بادئته بالقتال...

و لابد أن حالات أخري تستتبع الندم، حالة الصحوة من الاستسلام و الغفلة و الخضوع الأعمي لسلطان (الخليفة)، و حالة البحث عن مخرج من مأزق ذلك الاستسلام و محاولة العودة الي النهج الطبيعي الذي أراده الاسلام لمناوئة الظالمين وردع الانحراف. و لابد أن تساؤلا حقيقيا يستتبع كل ذلك، عن حقيقة ما يدور من أحداث علي الساحة و في كواليس دولة الظلم و ورائها.

ان حالة من الشك و الحذر و الانتباه بدأت تسود أوساط الامة بخصوص حاكميها الذين لم تر أنهم ينتمون للاسلام حقا، و انهم لا يرعون الا الجانب الذي افتعلوه، و يرون أنه كفيل بحفظ ملكهم و سلطانهم.


پاورقي

[1] نفس المصدر 309 / 3.

[2] الطبري 344 - 343 / 3 و سير الأئمة السيد محسن الأمين 170 / 3.