...طاقية الاخفاء طاعة الخليفة فأبلغ عبيدالله أما لقيته
و لم يستطع آخرون تبرير جريمتهم الا بقولهم أنما كانوا يقومون بما قاموا به لارضاء الخليفة الذي كانوا يدينون له بالطاعة، أما علي أي أساس قامت تلك الطاعة و بنيت، فلم يكن أحد منهم يكلف نفسه عناء السؤال عن ذلك، فالدولة الأموية حبذت مرتزقتها من واضعي الأحاديث و مدعي صحبة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ليفتروا عليه و يضعوا علي لسانه أحاديث تمنع الخروج علي (الخليفة) و لو كان فاسقا، مادام هو الحاكم الفعلي و المتسلط علي رقاب الناس.
و قد أشرنا الي موقف كعب بن جابر - التطوعي - حين اندفع دون أن يسأله أحد ذلك للقضاء علي برير بن خضير رغم أن أحد أصحابه حذره من قتله قائلا: (هذا برير بن خضير الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد..
فحمل عليه بالرمح حتي وضعه في ظهره... و طعنه حتي ألقاه... و قد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتي قتله...) [1] .
و عندما عتبت عليه امرأته النوار، و عابت عليه فعلته و قالت له: (أعنت علي ابن فاطمة، و قتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيما من الأمر، و الله لا أكلمت من رأسي كلمة أبدا..) [2] .
لم يجد ما يرد به علي عتابها و تقريعها سوي قوله - ضمن أبيات من الشعور - يبرر بها موقفه...
فأبلغ عبيدالله أما لقيته
بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة
أبا منقذ لما دعا: من يماضع
فهو هنا يعلن أنه قام بما قام به لأنه سامع مطيع للخليفة، و لأن أحد جماعته استغاث بأصحابه، فبرز هو لاغاثته.
انه يعلن براءته من الحسين و أصحابه، لا لسبب الا تلك الطاعة العمياء التي أعلن عنها، مع أنه يشيد بهم و بمواقفهم الفريدة التي لم يشهد لها مثيلا في حياته..
فجردته في عصبة ليس دينهم
بديني، و اني بابن حرب لقانع
و لم تر عيني مثلهم في زمانهم
و لا قبلهم في الناس اذ أنا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدي الوغي
الا كل من يحمي الزمار مقارع) [3] .
أما ذلك الذي استغاث بأصحابه لينقذوه من برير الذي أو شك علي قتله، رضي بن منقذ العبدي، و الذي تطوع بدوره لمنازلة برير دون أن يسأله أحد ذلك، فقد كان الندم الشديد يطبع كل تصرفاته فيها بعد، و قد عبر عن ذلك بأبيات صريحة تشير الي عمق المأزق الذي وضع نفسه فيه... و ندمه علي ذلك...
(لو شاء ربي ما شهدت قتالهم
و لا جعل النعماء عندي ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة
يعيره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله
و يوم حسين كنت في رمس قابر) [4] .
و قد كانت في الأبيات اشارة واضحة الي حالة اجتماعية بدأت تظهر بعد واقعة
الطف، و هي استهجان ما قام به القتلة في ذلك اليوم و استنكار الأبناء و الزوجات لذلك، و هي اشارة لعموم المجتمع.
پاورقي
[1] الطبري 323 / 3 و قد قال في امارة مصعب في محاولة منه لاقناع نفسه بصحة موقفه ورد الهدوء اليها: (يا رب أنا قد وفينا، فلا تجعلنا يا رب کمن عذر) المصدر السابق. و هي محاولة لابد أنها بات بالفشل.. اذ لم يکن لکعب قضية يدافع عنها الا و لاؤه المزعوم ليزيد.
[2] المصدر السابق.
[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق 323 / 3.