بازگشت

مشاعر الندم.. بعد الواقعة مباشرة


قد أصبحوا منذ تلك اللحظات التي بدا فيها أعوان تلك الدولة مصممين بناء علي تعليمات ابن زياد، علي قتل الحسين عليه السلام و أصحابه و قطع رؤوسهم و التمثيل بجثثهم، نادمين علي وقوفهم الي جانب دولة الظلم الأموية، كما أصبحوا يحملون قدرا من الحقد و الكراهية لها بقدر ما حمل العديدون منهم تقديرا خاصا لأصحاب تلك الأجساد التي ظلت ملقاة علي ثري كربلاء، و لعلهم تمنوا لو أنهم امتلكوا القوة الكافية للوقوف موقفهم.

و لم تأخذ مشاعر الندم تلك وقتا طويلا لكي تنتشر بين أوساط عموم أهل الكوفة، لتنفجر بعد قليل ثورة شعبية ضد الأمويين، و بعيد هلاك يزيد مباشرة، و نحسب أن بوادر اعداد و تنظيم لتلك الثورة قد بدأ منذ عودة الجند من (المعركة)، و منذ أن بدأ الناس يقيمون نتائجها و ما أصبحوا يلقونه الآن بعدها.

كانوا يرون خسارتهم الآن واضحة، و لم تقتصر علي أولئك الذين شاركوا بقتل الحسين، فقد (قل من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة و عاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتي أصيب بمرض، و أكثرهم أصابهم الجنون) [1] ... و مع أن معجزات كتلك لم تكن تفعل فعلها في أمة مخدرة ميتة، كما لم تكن تفعل فعلها من قبل ببني اسرائيل مع أنها كانت تعد بالمئات و كان نبي الله بينهم يرشدهم و يحذرهم، الا أن هؤلاء، و قد رأوا أنهم لم يجنوا من وراء اندفاعهم وراء دولة الظلم سوي المزيد من الظلم يقع عليهم هم خاصة، سوي ما لحق بمن شارك بقتل الحسين عليه السلام، أصبحوا يفكرون بشكل جاد بما سوف يلحق بهم اذا ما استمر موقفهم المهادن و الموالي للدولة...

فالحسين عليه السلام - بمنظور من يري الأمور بظواهرها العادية - لم يكن مستهدفا بالظلم، قد كانت كلمة واحدة منه تكفي لجعل الدولة تغدق عليه الأموال و المناصب و كل ما يتمناه، غير أنه ثار من أجل هذه الأمة التي استهدفت بالظلم. و ها هي تظل


وحيدة الآن بدونه تواجه جلاديها و أعدائها الحاكمين. و قد أدركت بشكل واضح أنها هي المستهدفة بالظلم، و قد توافقت عوامل الشعور بالظلم و الاحباط و الندم لتكون شعورا دائميا بأن الأمة المسلحة لا يمكن أن تجني أية مكاسب في ظل دولة الظلم، و أنها ستظل مستهدفة و مستنزفة ما لم تقف وقفة الامام الحسين و أصحابه، و تشهر سيفها بوجه تلك الدولة.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 203 / 8 و قد تحدثنا في هذه الدراسة عن بعض تلک الحالات التي ذکرها المؤرخون.