بازگشت

اسف أم خوف - التنصل من الجريمة


(لما قتل عبيدالله بن زياد الحسين بن علي عليه السلام و بني أميه، بعث برؤوسهم الي يزيد بن معاوية فسر بقتلهم أولا، و حسنت بذلك منزلة عبيدالله عنده، ثم لم يلبث الا قليلا حتي ندم علي قتل الحسين، فكان يقول: و ما كان علي لو احتملت الأذي و أنزلته معي في داري، و حكمته فيما يريد، و ان كان علي في ذلك و كف و وهن في سلطاني، حفظا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و رعاية لحقه و قرابته! لعن الله ابن مرجانة، فانه أخرجه و اضطره، و قد كان سأله أن يخلي سبيله و يرجع فلم يفعل، (أو يضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتي يتوفاه الله عزوجل) فلم يفعل، فأبي ذلك و رده عليه و قتله، فبغضني بقتله المسلمين، و زرع لي في قلوبهم العداوة، فبغضني البر و الفاجر، بما استعظم الناس من قتلي حسينا؛ ما لي و لابن مرجانة، لعنه الله و غضب عليه) [1] .


و عندما أحضرت الرؤوس برفقة الامام علي بن الحسين عليه السلام و السبايا، أمام يزيد، توجه هذا بخطابه الي زين العابدين قائلا:

(لعن الله ابن مرجانة، أما و الله لو أني صاحبه ما سألني خصلة الا أعطيتها اياه، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن الله قضي ما رأيت...) [2] . و هنا يحاول رد الأمر الي الله، و كأن يزيد كان مسيرا بارادة الهية مباشرة. و هذا مذهب استحدثه معاوية و شجع عليه طالما أن من شأنه تثبيت حكمه و دولته و اخضاع الناس لما زعم أن الله قرره و قدره، و قد أشرنا لذلك في مبحث سابق أيضا.

أما ابن زياد، و قد أدرك فداحة جرمه فانه حاول تلافي أوامر مماثلة بغزو مكة صدرت اليه من يزيد و التملص منها، و قد قال لبعض مقربيه: (لا أجمعهما للفاسق أبدا، أقتل ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أعزو البيت...) [3] .

كما حاول أن يستعيد الرسالة التي أصدر أوامره فيها لابن سعد بقتل الحسين عليه السلام أو أن ينزل علي حكمه... (قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: يا عمر، أين الكتاب الذي كتبت اليك في قتل الحسين؟

قال: مضيت لأمرك و ضاع الكتاب.

قال: لتجيئن به. قال: ضاع. قال: و الله لتجيئن به.

قال: ترك و الله يقرأ علي عجائز قريش اعتذارا اليهن بالمدينة. أما و الله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص، كنت قد أديت حقه.

قال عثمان بن زياد أخو عبيدالله صدق و الله، لوددت أنه ليس من بني زياد رجل الا و في أنفه خزامة الي يوم القيامة، و أن حسينا لم يقتل...

فوالله ما أنكر ذلك عليه عبيدالله) [4] .

هل كانت الدوافع الطبيعية للندم، و بعد أن أدرك هؤلاء القتلة فداحة الجريمة التي قاموا بها، هي التي دعتهم الي التنصل من المسؤولية و القاء تبعاتها علي بعضهم...؟


أم أن الخوف من تبعاتها هو الذي دعاهم لذلك؟

لا شك أن تصريح يزيد قد أكد أن بغض الناس و عداوتهم له بها استعظموه من قتلة الحسين، هو الذي دعاه للتبري ء من ابن زياد و استنزال اللعنات عليه، و لم يكن ليفعل ذلك بدافع الكياسة أو الشعور بالذنب، و قد دلت أعماله اللاحقة أن مشاعر كتلك ما كانت لتساوره في أي وقت من الأوقات.

و لا شك أن دوافع بقية القتلة للتبري ء من الجريمة لم تكن تختلف عن دوافع يزيد، فقد علموا أنهم مستهدفون لغضبة جماهيرية و اسعة قد تنال منهم شخصيا و قد تقف عائقا في سبيل طموحاتهم، كما حدث بالفعل بهد ذلك، اذ رفضت الكوفة كليهما بعد موت يزيد، كما رفضت الكوفة و البصرة ولاية ابن زياد عليها، اذ استحضر أهلوهما موقفيهما و ما فعلاه بالحسين و أصحابه في كربلاء [5] كما استحرضوا مواقف ابن زياد السابقة و عسفه و ما فعلهم بهم.


پاورقي

[1] الطبري 365 / 3 و ابن‏کثير 235 / 8 و يستخدم يزيد هنا طريقة ماکرة لتبرئة نفسه و القاء تهمة الجريمة علي ابن‏ زياد وحده، ليودد أکاذيب ابن‏ سعد و ادعاءه بأن الحسين عليه ‏السلام طلب وضع يده في يزيد، ليوحي بذلک بشرعية حکمه و خلافته طالما أن الحسين عليه ‏السلام قبل بمبايعته و حکمه، و قد فندنا في مبحث سابق هذه المزاعم التي کان مصدرها الأول عمر بن سعد نفسه، منفذ جريمة قتل الحسين عليه ‏السلام....

[2] الطبري 339 / 3.

[3] المصدر السابق 353 / 3.

[4] الطبري 342 / 3 و البحار 118 / 45.

[5] و قد حاول ابن‏ زياد بعد موت يزيد استرضاء أهل البصرة و تذکيرهم (بأياديه) عليهم في محاولة منه لکسب و دهم و جعلهم يبايعونه، رغم أنه ادعي رفض تلک المبايعة في الظاهر، و قد بايعه من حضر منهم الا أنهم انصرفوا بعد ذلک و هو يقولون: «لا يظن ابن‏مرجانة أنا نستقاد له في الجماعة و الفرقة، کذب و الله». ثم و ثبوا عليه. و کما هو متوقع في تلک الحال من أناس بعيدين عن المبادي ء فان ابن‏ زياد في تلک الخطبة عرض ثبلب يزيد الي أن منعه الأحنف من ذلک... و قد بعث ابن‏ زياد مبعوثا للکوفة ليأخذ له بيعة أهلها، الا أنهم رفضوا و قال أحد ممثليها: «الحمد لله الذي أراحنا من ابن‏سميه، لا و لا کرامة» ثم اقترح بعضهم تأمير عمر بن سعد... (فجاءت نساء همدان يبکين حسينا، و رجالهم متقلدوا السيوف، فأطافوا بالمنبر، و لم يؤمر ابن‏ سعد... و قد وصل خبر ذلک الي البصرة فقالوا: (أهل الکوفة يخلعونه و أنتم تولونه و تبايعونه! فوثب به الناس) راجع التفاصيل في الطبري 375 - 364 / 3.