بازگشت

الغضب والشماتة بمواجهة الصمود والشجاعة


حسب ابن زياد أنه سيجد أمامه امرأة باكية متخاذلة ذليلة، فوجد نفسه بمواجهة امرأة صامدة متماسكة واعية أفحمته و أسكتته، فلم يكن أمامه بعد ذلك، و بعد هزيمته أمامها الا أن يغضب، بل و يستشيط غضبا و يلجأ الي ما عرف عنه من بذاءة المنطق والأسلوب، و يبدي شماتته و سعادته بموت الحسين عليه السلام و قتله بتلك الطريقة، و يقوم بشتمه و يصف أصحابه و أهل بيته بأنهم عصاة مردة.

لقد تمادي الطاغية في شتائمه و تطاوله علي الحسين و أصحابه، و هو في موضع حسب نفسه فيه قويا مقتدرا يحف به أعوانه و جلاوزته، حتي لقد أحزن ذلك زينب.

لم تكن زينب تريد أن يتمادي ابن زياد في شتائمه و بذاءاته و تهديداته و امعانه في ترويع النساء و الأطفال. و لعلها رأت من سخرية الأقدار، أن يقدم هذا العبد الذليل، و قد وضع نفسه في موضع الكبرياء والعزة والقوة الزائفة المصطنعة، بسبب سيد شباب أهل الجنة و سيد أهل الأرض، و كان ذلك من الأمور التي تدعو للبكاء حقا، و قد أوضحت له كم كان جبانا وقاسيا حينما أقدم علي قتل آلها و ذويها، ثم قام بسبهم و أظهر شماتته و تشفيه أمامها.

و لم يملك ابن زياد الا أن يسكت و يتراجع، ربما تحت وطأة خجل طاري ء من جلسائه، و أراد أن يبرز تراجعه بقوله أنه شجاعة (شاعرة) (سجاعة) كأبيها الذي كان (شاعرا شجاعا)، هكذا أراد أن يصور أميرالمؤمنين عليه السلام مبررا استهانته به و كأن أميرالمؤمنين كان أحد شجعان العرب و شعرائهم، و قد وصفه كما وصف مشركو قريش رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تماما واتهموه بأمخ شاعر. فهل ان لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قداسة في نفوس أولئك الذين أقدموا علي حربه و حرب آله حتي يمتنعوا عن وصفه بما وصفوه به، وحتي يلجأوا الي وصف أميرالمؤمنين عليه السلام بما وصفه به ابن زياد..؟.

ان من لجأوا الي سبه من علي منابر المسلمين لم يتورعوا عن وصفه بصفات عادية تتاح للعاديين م الناس و لا تكاد تميزهم عن الآخرين الا بمواهب يتمتع بها غيرهم أيضا و لا تكاد تجعل منهم شيئا نادرا فريدا.

كانوا يريدون أن يقولوا أنه لم يكن يملك صفة جيدة سوي لشجاعة، و هذا ما كان يضع الدولة الأموية وقائدها معاوية بموقف جيد لأنه استطاع التصدي لهذا


الشجاع، والوقوف بوجهه والصمود أمام بيانه و حججه المفحمة و خطاباته و وضعها بأنها مجرد شعر أو سجع.

ربما قال أميرالمؤمنين عليه السلام أبياتا من الشعر و قد نسبت اليه أبيات في الحكمة والحث علي طاعة الله و التمسك به، غير أنه لم يشتهر بأنه شاعر، و أن مواهبه انصبت في قول الشعر و حسب، كما أنه عرف ببيانه الفريد الذي ارتفع به عن كل بيان بشري آخر، و قد رأينا نماذج له في (نهج البلاغة) الذي جمعه الشريف الرضي.

غير أن ما اشتهر به أميرالمؤمنين حقا هو ولاؤه و حبه لله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و تمسكه بهما والدفاع عن الاسلام، و كان دفاعه هو الذي سبب عداوة الأعداء و وقوفهم منه ذلك الموقف المتجني، و ما نري ابن زياد، عندما وصفه بالشجاعة الشعر، الا أراد به نوعا من الشتيمة أو الاهانة أراد توجيهها له، أمام جلسائه و أمام زينب ابنته.