بازگشت

في مجلس ابن زياد: الحمدلله الذي أكرمنا بمحمد


و طهرنا تطهيرا«و كان موقف زينب أمام ابن زياد في مجلسه و في غمرة الاحتفالات التي أقامها بهذه المناسبة، موقفا قويا لم يستطع عنده الا أن يصفها بالشجاعة والسجاعة و قول الشعر بعد أن أفحمته و أسكتته اثر نقاش حاد بينهما أثاره هو بعنجهية متوقعا منها أن تتخاذل و تطلب منه العفو والرحمة والصفح، و قد تكلمنا عن هذا الموقف في معرض الحديث عن ابن زياد.


(لما دخل برأس الحسين و صبيانه و أخواته و نسائه علي عبيدالله بن زياد، لبست زينب ابنة فاطمة أرذل ثيابها، و تنكرت، و حفت بها اماؤها.

فلما دخلت جلست. فقال عبيدالله بن زياد: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه.

فقال ذلك ثلاثا، كل ذلك لا تكلمه.

فقال بعض امائها: هذه زينب ابنة فاطمة.

فقال لها: الحمدلله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحدوثتكم!.

فقالت: الحمدلله الذي أكرمنا بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم و طهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، انما يفتضح الفاسق، و يكذب الفاجر.

قال: فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.

قالت: كتب عليهم القتل، فبرزوا الي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم، فتحاجون اليه، و تخاصمون عنده.

فغضب ابن زياد و استشاط. فقال له عمر بن حريث: أصلح الله الأمير، انما هي امرأة، و هل تؤاخذ المرأة بشي ء من منطقها؟ انها لا تؤاخذ بقول، و لا تلام علي خطل.

فقال لها ابن زياد: قد أشفي الله نفسي من طاغيتك، والعصاة المردة من أهل بيتك، فبكت، ثم قالت: لعمري قد قتلت كهلي، و أبرت أهلي، و قطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فان يشفك هذا فقد اشتفيت.

فقال لها عبيدالله: هذه شجاعة، قد لعمري كان أبوك شاعرا شجاعا.

قالت: ما للمرأة والشجاعة. ان لي عن الشجاعة لشغلا، ولكن نفثي ما أقول..) [1] .

لقد حسب ابن زياد أن تلك المرأة في غمرة مصيبتها وألمها لن تقدر الا علي النوح والبكاء علي فقيدها واستعطافه ولا شي ء غير ذلك، غير أنه فوجي ء أولا بأنفتها


من الحديث معه، و قد حاول، تلافيا لشعوره بالضعة والنقص، الشماتة بها و عرض نفسه كصاحب قضية عادلة، أمكنه الله من عدوه، لأن هذا العدو (و هو الحسين)، كان، كما كان جده صلي الله عليه و آله و سلم رمز أحدوثة لم تكن معهودة عند العرب من قبل، و ان شخصيته و مكانته و قرابته و امامته ربما لم تكن سوي أسطورة كما كانت شخصية جده صلي الله عليه و آله و سلم و مكانته و نبوته؛ و هو منطق دل علي استهانة ابن زياد برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عدم ايمانه برسالته، و كان يريد بذلك تبرير عداء آل أمية للاسلام و وقوف معاوية بوجه أميرالمؤمنين عليه السلام و ابرازه كأنه هو الذي خرج عليه، و أن الحسين هو الذي خرج علي يزيد.

كان يريد الغاء مبررات قيام الحسين عليه السلام بثورته بوجه الدولة الأموية و رمزها يزيد و أنها لم تكن سوي ادعاءات ليس لها أساس من الصحة، و كان ذلك هو كل ما استطاع أن يقوله، فقد كان هاجس الدولة كلها تبقي حية صامدة بوجوه كل محاولة للنيل منها، و قد أرادت محو كل ما أرادت القيادة الشرعية المتمثلة برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، تثبيته في أذهان أبناء الأمة، ليتسني لها لتنفيذ مخططها الكبير لخرق الاسلام والخروج عليه، بل و محوه دون أن تلقي معارضة و احتجاجات من أي فرد منها.

و كان جواب زينب مفحما مسكتا، لم يملك له ابن زياد ردا أو اجابة، لقد ذكرته بأولئك الذين كان يتحدث عنهم بتلك الاستهانة، فهم آل البيت الذين أكرمهم الله بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم، و أنهم المطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس بشهادة من الله و اردة منه، و في هذا كفاية لهم، لا كما يدعي ابن زياد الفاسق الفاجر، هو و أميره يزيد. فاذا ما كان لأحد أن يفتضح بفعله و تصرفه، فهو من كان علي شاكلتهما و من أمثالهما.

و قد عاود ابن زياد هنا عبثه و نزعته اللئيمة للشر والعدوان، بعد أن لم يستطع الرد عليها فأبدي شماتته بموت الحسين و أصحابه، و كأن الذي قتلهم غيره، و أبدي فرحه بما تحقق في كربلاء واصفا الحسين عليه السلام بالطاغية و آله بالعصاة المردة.

و قد قالت له زينب انهم سيجتمعون به يوم القيامة، فيتحاجون الي الله و يتخاصمون عنده، مرد الأمر هنا اذا الي الله، و القضية عادلة واضحة لا لبس فيها، و خروجهم هم علي الحسين و تمردهم عليه و قيامهم بقتله أمر سيبت الله بشأنه يوم الحساب و هو العادل الحكيم.



پاورقي

[1] الطبري 337/3 والمجلسي 116-115/45 والارشاد 259 واللهوف 67.

مع اختلافات بسيطة ورد في بعضها أن ابن‏زياد قال لها: (هذي سجاعة، و لعمري لقد کان أبوک شاعرا سجاعا، قالت زينب.. (يا ابن‏زياد، و ما للمرأة والسجاعة، وان لي عن السجاعة لشغلا.. ولکن صدري نفث بما قلت).